يحكى في الأثر أن العابد المعروف مالك بن دينار كان في أحد الأيام قائماً يصلي في الليل بخشوع و تدبر و هدوء كعادته

و أثناء
ذلك تسلل لص إلى بيته و دخل بخفة و هدوء و بحث في كل مكان لكنه لم يجد فلساً واحداً و لا حتى

طعاماً أو متاعاً أو كساء


فقد عرف مالك بن دينار بزهده و
كرمه و فقره و كان يأكل لقيمات تسد الرمق و يقضي وقته في العبادة و

العلم و
التعليم

شعر اللص بالغيظ لأنه اختار البيت الخاطئ و هم بتسلق الجدار للهروب
لكن مالك بن دينار أمسك به مبتسماً

و قال
: ( لا والله لا ترحل من بيتي فارغ اليدين ، أدخل

و صلي معي
ركعتين )

فتفاجأ السارق و ارتبك و لم يعرف ماذا يقول و ذهب
للصلاة بالفعل و صلى مع مالك ركعتين و شعر بحلاوة

لم يذق طعمها من قبل



و هم السارق بالذهاب فقال مالك مبتسماً : لم يبق على طلوع الفجر إلا
دقائق فما رأيك أن تبقى حتى أذان

الفجر و نذهب معاً للصلاة في المسجد فوافق
السارق على مضض

و ذهب مالك برفقة السارق إلى المسجد و صلى مع جماعة
المسلمين و امتلأ قلبه بالإيمان و شعر بالخجل

من نفسه



و رأى
الناس رجلاً غريباً برفقة مالك فسألوه : من هذا الرجل يا مالك أهو مسافر؟

فقال : بل هو رجل جاء ليسرقنا فسرقناه



السرقة فعل محرم و مشين و عقوبتها رادعة و شديدة ، ولكن هل يمكن أن
تسرق من سرقك ؟؟؟

و السؤال الأهم
: هل فكرت يوماً بالأسباب التي دفعت ذلك السارق للسرقة ؟؟ و هل

فقره هو السبب برأيك ؟


طبعا الفقر و الظلم من تلك الأسباب لكن برأيي الشخصي السبب الرئيسي
للسرقة هو غياب الوازع الديني


إنه ضعف اليقين
و غياب التوكل على الله في النفوس . فعندما يؤمن الإنسان أن رزقه بيد الله وحده و

مقسوم و محدد و مكتوب



قال
تعالى : (( وفي السماء رزقكم و ما توعدون ))


و التوكل على
الله ليس مجرد كلمة نتغنى بها بل هو إيمان و يقين يرافقه عمل و سعي


قال تعالى : (( هو الذي جعل لكم
الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور ))


و عندما يغيب اليقين و الفهم الصحيح لمعنى التوكل يلجأ
الفقير إلى حلين لا ثالث لهما برأيه

إما أن يتسول و
يتذلل للأغنياء و يفقد كرامته و مكانته


أو أن يلجأ للسرقة و الرشوة و
المال الحرام

و كلاهما خطأ غير مقبول بالطبع



و هنا يأتي
دور أهل العلم و الحكمة قبل دور الأغنياء من أهل الخير


فمن واجب العلماء و الدعاة و الحكماء و حتى العباد و الزهاد أن
يبحثوا عن طرق لجذب هؤلاء الذين

ابتعدوا عن الدين فصار الحرام سهلاً عليهم
و هذا ما فعله مالك ابن دينار عندما سرق قلب السارق و روضه

و ملأه بطاقة
إيمانية رادعة


لدى الجميع فطرة سليمة و جانب روحي بحاجة لمن يغذيه و
يضرب على أوتاره الحساسة


يحكى مثلاً أن سارقاً كان يهم في سرقة بيت أحد
العباد فسمعه يتلو قوله تعالى :


(( ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق و لا يكونوا كالذين
أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون ))


عندما سمع هذه الآية الرائعة خشع قلبه و بكى و قال
: بلى يا رب .... بلى يا رب

حان وقت التوبة و الرجوع .... حان وقت الإنابة و
الخشوع

و لم يسرق من وقتها بل صار من أحسن العباد


طبعاً لا أبرئ
أغنياء المسلمين من مسؤوليتهم عن تفشي السرقة في المجتمع الإسلامي فدورهم مهم و

أساسي و إلا لما فرض الله تعالى الزكاة و أوجب الصدقات و مساعدة الفقراء و
المحتاجين و المساكين


ومن واجب أغنياء المسلمين أولاً و قبل أن يتصدقوا
، من واجبهم إنشاء مشاريع لتشغيل الشباب و إيجاد


فرص عمل للفقراء تكفيهم و تقيهم ذل السؤال و بشاعة السرقة



عندما يبحث الغني عن نفسه و تجارته و مصالحه فقط فعلى الأمة
السلام

و من قطوف الحكمة : ما أحسن تذلل الأغنياء عند
الفقراء، وما أقبح تذلل الفقراء عند الأغنياء.


و كما قال علي رضي
الله عنه لو أنفق كل مسلم زكاة ماله فقط ما وجدنا على ظهر الأمة فقيراً واحدا

إذاً من الجميل أخي أن تسرق من يهم بسرقتك ، أن تسرق عاطفته و تصلح
قلبه ، أن تسرق الحسنات إذا

أكرمته و أرشدته



و كما قال تعالى
(( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ))


و السلام عليكم و رحمة الله و
بركاته