::






يكاد الظل أن يكون أحجية بحد ذاته ، فهو يولد و يتحرك و يكبر

و يصغر و مع ذلك فهو ليس كائناً حيّاً ..

إنّه " الشيء " الوحيد الذي لا يُلمس و لا يوزن و لا طعم له و لا رائحة

حتى أن تسميته " شيئاً " تخضع للنقاش ..

و مع ذلك ، فإنّه طالما شغل الإنسانية ، وصاغ الكثير من نظرتها إلى

الكون و لعب دوراً قد يكون من أبرز الأدوار التي لعبتها عناصر

الطبيعة في صياغة الثقافة الإنسانية حتى أنّه شكّل الأساس

الذي قامت عليه فنون بأسرها ..

و ما الظل غير هذه المساحة التي يُحجب الضوء عنها ، لوجود شيء

بينها و بين مصدر الضوء ، وهي مساحة لا شكل لها إلّا

بعض ما تكتسبه تبعاً لشكل الشيء كما يتحدد عند أطرافه

لا أكثر و لا أقل ، و هل من أقل ؟

و رغم ذلك فقد احتل الظل مكانة لا يُستهان بها في النفس الإنسانية ..

و كانت لهذه المكانة انعكاسات واسعة في الفن و الأدب ،

و جاء ذكره في القرآن الكريم

( ألم تَرَ إلى ربّك كيف مَدّ الظلّ و لو شاء لجعله ساكناً

ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً )

[ سورة الفُرقان ]

و الحقيقة أن للظل دوراً مهماً في الخيال الإنساني ، إضافة إلى أن

الأشكال التي يأخذها مثيرة للاهتمام بحد ذاتها ، ورغم

أنّه " يتشبه بالأصل " وهو أمر لا مفر منه، إلا أنّه في شكله

شيء آخر له جماله الخاص وحضوره المميز..

فهو يتبع الضوء فيتحدد على الجهة المعاكسة له ، وبامتداده

المشطور له في حالة سكون الأصل وقعاً حسياً مرهفاً ،

و أمّا في حركته فهو يُضحك أحياناً ويُخيف أحياناً أخرى ،

وهناك ما يشبه السيناريو المفترض للحظة اكتشاف الواحد منا

للظل للمرة الأولى فقد يحدث مع البعض و لا يحدث مع البعض الآخر

، وقد نتذكره كحادثة وقد لا نتذكره ..

و ذلك لحظة يكتشف الطفل الظل و حتمية الظل ، حين يكون في الخلاء

يلعب و يلاحظ هذا الذي يتبعه دون فكاك و يحاول الهروب منه ذات

اليمين وذات اليسار ، إلى الأمام و إلى الخلف

و لكن هيهات ظلك معك .. معك !
.
.