ا لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



تعريف الفتنة:
الفتنة في اللغة تأتي لمعانٍ كثيرة تعود في مجملها إلى معنا الاختبار والابتلاء.

والفتن جمع فتنة، يقول الراغب: أصل الفَتْنِ إدخال الذهب في النار، لتظهر جودته من رداءته،
ويستعمل في إدخال الإنسان النار كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، بأن أدخلوهم في النار.

وتطلق على العذاب، كقوله تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [(14) سورة الذاريات]،
وعلى الاختبار، كقوله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(40) سورة طـه]،
وتطلق على الخير والشر كما في قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء]،
قال الراغب: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله -جل وعلا- ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات.

فالإنسان قد يكون بنفسه موجدًا للفتنة يفتتن بها ويفتن بها غيره،
كما أنها تكون من الله -جل وعلا- فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة،
فقد ذم الله -جل وعلا- الإنسان بإيقاع الفتنة كما في قوله -جل وعلا-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة]،
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، وقوله: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [(162) سورة الصافات]،

وقوله: {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [(6) سورة القلم]، وكقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} [(49) سورة المائدة] .

وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى مكروه، ثم أطلقت على كل مكروه،
أو آيلٍ إليه كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك. .
الفتنة لا شك أنها تطلق على أمور متفاوتة، فمنها الشرك الذي هو في الحقيقة أعظم من القتل وأشد من القتل،
إلى أن تصل إلى فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتفق عليه قال في الخميصة:
(كادت أن تفتنني عن صلاتي) والمراد بالفتنة هنا: الانشغال بها، وكذلك الفتنة في المال والولد الانشغال بهم عما هو أهم، كل هذا فتنة.

المؤمن دائمـًا على الاختبار وهو معرض للفتن والإبتلاءات في يومه وليلته
كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

ومن أعظم الابتلاءات الابتلاء بالفتن التي تنزل بالعباد في دينهم ودنياهم وتعصف بهم
وتنتشر بسببها الأهواء المضلة والدعوات الباطلة والأقوال والفتاوى الملبسة,
فيكون بسبب ذلك وقوع كثير من
الناس فيها ممن ليس لديهم علم شرعي صحيح ولا قواعد شرعية
ومناهج سوية يلتزمون بها, فيضلون ويضلون على علم من البعض وجهل من البعض الآخر.


وقد جاء في الكتاب والسنة الخبر عن الفتن وظهورها على اختلاف أنواعها وأشكالها سواء أكانت في الدين أو الدنيا لحكم كثيرة ومن ذلك:
1- أن يوطن المسلم نفسه على ذلك ويعلم أن الفتن من سنن الله الجارية ويهيئ نفسه لوقوعها في أي وقت.
2- أن يكون المؤمن على بينة من أمر الفتن عند نزولها فلا يختلط عليه أمرها.
3- أن يعلم المسلم المنهج الصحيح الحق الذي يتعين عليه أن يسلكه ليسلم وينجو من هذه الفتن.
ومن النصوص التي جاءت مخبرة عن الفتن وأسبابها وآثارها:
1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (بادروا بالأعمال فتنـًا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمنـًا ويمسي كافرًا, ويمسي مؤمنـًا ويصبح كافرًا,
يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) رواه مسلم.
2- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يتقارب الزمان, ويقبض العلم, وتظهر الفتن, ويلقى الشح ويكثر الهرج) قالوا: وما الهرج؟ قال: (القتل).
3- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي,
من تشرف لها تستشرفه, فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به) .
وغير ذلك من النصوص المخبرة عن الفتن المحذرة
منها المبينة لطريق النجاة منها.






ومن المعلوم أن الناس يتفاوتون في علمهم، وإدراكهم، وتقواهم، وما منحهم الله من توفيق وهداية،
كما أن الفتن كثيرة متنوعة، لذا فإن
الناس يتفاوتون في مقاماتهم، وأحوالهم، مع الفتن وهم في ذلك ثلاثة أقسام:


القسم الأول: العَالِم.

والمراد به من وفّقه الله فعلم حقيقة الفتن وما يتعلق بها من أحكام وما يجب فيها قبل إقبالها
والواجب
منها بعد وقوعها من خلال نصوص الوحي المطهر، وحذِر منها، وحذَّر فنجا وسلم،
وهذا مقتضى ما جاء حديث حذيفة رضي الله عنه قال:
(كان
الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) .



القسم الثاني: المُتَعرِّض لها، السّاعي إليها،

وهذا القسم من
الناس هم في الحقيقة وقود الفتنة، قد ضل وأضل، وقد تقدم في الحديث:
(تكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه) رواه البخاري.
أي من تَعَرّض لها التهمته وأهلكته. وفي حديث الآخر (تُعْرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا وأي قلب أُشْربها نكت فيه نكتة سوداء) متفق عليه.
ومِن هؤلاء مَن أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم حين قال: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) .




القسم الثالث: الجاهل بهذه الفتن.

وهذا حال أكثر
الناس من العوام والدهماء ممن لا علم عنده ولا بصيرة فهذا إن سلم من التعرض لها،
والدعوة إليها، وإلا فإنه على خطر عظيم؛ إذ يسهل التغرير به ودعوته، والاستحواذ عليه، والله المستعان،
وعلى مثله ينطبق قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ
انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ .
والواجب في هذا الحال في حق هؤلاء اللجوء إلى العلماء الربانيين وطلبة العلم الموثوقين
وسؤالهم عن أمر هذه الفتن وما يجب عليهم في حال إقبالها ووقوعها فإن العلماء هم منارات الهدى وأعلام الخير.



من متصفحي..\\
الأستاذ الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش‏.








لاتنسوا أن الدعـاء سلاح المؤمن
فأكثروامن: اللهم جنبنا الفواحش والفتن ماظهر
منها ومابطن ماعلمنا منها ومالم نعلم.

في أمااان الرحمن..