الرسالة الأخيرة من الأخت نورة السماري زوجة الشيخ الوهيبي رحمهما الله وبناتهما..!!




حياتنا لوحة فنية..

ألوانها أقوالنا.. وأشكالها أعمالنا..

وإطارها أعمارنا.. ورسامها نحن..

فإذا انقضت حياتنا اكتملت اللوحة..

وعلى قدر روعتها تكون قيمتها..

حتى إذا قامت القيامة عرض كل إنسان لوحته.. وانتظر عاقبته..

ففي هذا اليوم.. أسأل الله لك ولوالديك.. ومن تحبين.. ومن يحبك الجنة..

فأبدع في لوحتك.. فما زالت الفرشاة بيدك.
.!!)



كانت هذه آخر رسالة.. تلقيتها يوم الجمعة الماضي عبر الجوال من صديقتي الحبيبة نورة السماري.. زوجة الشيخ عبدالعزيز الوهيبي.. وانتقلت إلى جوار ربها.. هي وزوجها وثلاث من بناتها..

فسبحان الله..!! أوكانت تشعر أن الفرشاة ستسقط من يدها بعد أربعة أيام..؟ فأرادت أن تعطي اللوحة لمساتها النهائية.. لتخلد جمال روحها.. وعميق إخائها.. وحرصها على الخير..!

أحسبها والله حسيبها أبدعت رسم اللوحة.. وأبعادها.. وأسس بنيانها على تقوى من الله ورضوان..

حين فجعت بالخبر أخذت أردد: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..! حسبنا الله ونعم الوكيل..!

سارعت أفتش في جوالي عن أي شيء يشفي مرارة الفقد.. فأضاءت أمامي هذه اللوحة البديعة.. الفريدة في سماتها.. في الحياة والممات.. فعزمت أن تكون هذه اللوحة عنوان وفاء لتلكم الحبيبة.. سأنشر هذه الكلمات.. داعية ودافعة من يقرؤها للدعاء:

اللهم اجعلهم من الذين تتلقاهم الملائكة: سلام عليكم طبتم فادخولها خالدين.. اللهم جازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.. ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..

وارحمنا برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه..

واربط على قلوب أهليهم.. وكل من أحبهم في الله.. واجبر مصاب الأمة في فقد أسرة علم ودين حملت هم الدعوة الإسلامية.

واشف بنياتها الحبيبات وثبتهن على الدين.. وتولهن بفضلك.. إنك خير ولي وأكرم مسؤول..

نورة الحب..

لا زلت أذكر نقاء روحك.. عذب إخائك.. دفء تواصلك.. ثراء فكرك.. جميل خلقك.. همك في تربية بنياتك.. لتبلغي بهن أعلى القمم في التربية الإسلامية.. وأحسب أنك وزوجك الكريم بنيتما من صروح الخلق كل عُلا، تشيدُ مجدا لهم ما كان منقطعا، فطوبى لأموات أحياء، ستظل سيرتكم العطرة تضوع في الأرجاء، مذكية همم الحبيبات الباقيات لإتمام مسيرة الخير.

هاأنذي - يا غالية- أنتظر نسائم ودك.. أتطلع إلى رسائلك الأثيرة بخاصة في يوم الجمعة.. فيجيبني صمتي وصدق دعائي..

لا شيء ثمّ..!! سوى تقليب لرسائلك الحميمة التي جمعتها في صندوق الحفظ أعود إليها كلما عصف بي شوق، أو هزني ألم، وأتوقف عند إحداها: (تنقطع اللقاءات.. وتنقطع المهاتفات.. وتنقطع الرسائل.. لكن لا ينقطع الدعاء.. أسأل الله في هذه الساعة.. أن يغفر ذنبك ويشرح صدرك.. ويسهل أمرك.. ويجعلك من السعداء.. ويصرف عنك كل بلاء..).

رحماك ربي..! كنت أردد هذه الكلمات دون أن أدرك تماماً حجم الفقد! ها قد انقطعت الثلاثة الأول، وسأسقي أعمقها وصلاً.. ستظل دعواتي التي أتوجه بها إلى البر الرحيم أن يجمعني بك ووالدينا وذرياتنا وأهلينا ومن أحببناه أوثق العرى، وسأتمسك بها ما حييت.

وأشمر عن ساعد الجد عملاً للآخرة قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله.. ليعود لقاؤنا كأجمل ما يكون عند الكريم الرحمن.. لقاء سرمديٌّ سعيد لا يشوبه كدر.. حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. لنكون من الوجوه الناضرة.. إلى ربها ناظرة.. نستقي من حوض نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا..

(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).. و(حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)..




زينب بنت عبداللطيف كردي

باحثة دكتوراه في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



م..ن .