يارا
الجنية ذات العينين الجميلتين



عبدالله بن بخيت
كان في حارتنا بيت مهجور. لم أر أحدا يدخله أو يخرج منه. من فرط الهجر أصبح محاطا بالقمامة. كعادة الجن واستغلاليتهم انتهزوا الفرصة واستولوا على البيت. في بعض الأحيان نعود سارين من حفلة أو عرس أو حتى من كيلو ستة بعد ضرب كم رأس شيشة (لم يكن فيه معسل مع الأسف). عندما نقترب من البيت، قبل أن نفترق، نسمع همهمات وهسهسات وشرشرات (صفة لأصوات الجن) نشترك معهم في الهمهمات أما الهسهسات والشرشرات فهي أصوات خاصة بهم إذا أردت أن تسمعها تسلل في آخر الليل إلى أقرب مقبرة مهجورة واتجه إلى منتصفها ثم تلطّم واجلس وإذا لم تسمع شيئاً في الليلة الأولى عليك أن تأتي ليلة أخرى ثم ليلة ثالثة حتى تبدأ في سماع كل ما تروم سماعه..

:sm34:



عندما كنا نجلس بالقرب من البيت كنا نسمع هذه الأصوات وأصواتا أخرى لم نعطها اسماً. يقع البيت في رأس الحارة وعلى ملتقى ثلاث سكك وإلى جانبه عتبة كبيرة منعمة بالأسمنت معدة في الأساس لجلوس حارس ثم صارت في أواخر أيام ذلك البيت مجلسا للصبية الصغار يتبادلون عندها الصراخ والشتائم وفواحش القول ولكنهم لا يستطيعون الجلوس أبعد من منتصف الليل.

:sm34:
في الوقت الذي نجلس فيه يعبر صبي صغير أسمر اللون يلبس ثوبا أزرق يلف على وجهه غترة بيضاء لا نعرفه إلا من عينيه اللتين تحدقان فينا.

تمنحنا عيناه الواسعتان الجميلتان سلاماً حزيناً قبل أن يختفي في السكة المقابلة.

كان يلبس نفس الثوب ونفس الغترة ويلقي علينا نفس النظرة من نفس الزاوية ثم يختفي. هذا الثبات في حركة الصبي على مدى ليال كثيرة ارتبطت بالبيت المهجور. لا نعرف أين يذهب ولا من أين يأتي ولم نجرؤ على التخمين.

:sm158:

عرفنا لاحقاً أن هذا الصبي ليس صبياً ولكنه ابنة مدللة لأحد شيوخ الجن القاطنين في البيت المهجور. تتظاهر في صورة صبي. تحوم حول العالم. كل مكان تمر به تلبس لباس أهله وتأخذ أعمارهم وهيئاتهم.


سمعنا أن في قلبها هياما. تبحث عن إنسي تعشقه لتسقط فيه. كانت على خلاف مع والدها الجني. يريد لها استقراراً في داخل أحد بيوت الجن الكريمة. من الواضح أن والدها كان محافظاً.

:sm34:

رغبتها في تجاوز التقاليد الجنية تشي بأنها كانت ليبرالية. مستعدة أن تصوت لأوباما لو كانت في أمريكا. هذا لا يعني أن كل الجن الذين سقطوا في إنس كانوا ليبراليين فالجنية التي قبض عليها قبل سنتين في مقبرة السبالة كانت يهودية حسبما أفادت التحقيقات.


الجنيات يختلفن كما تختلف بنات البشر. اكتشفنا بعد فوات الأوان أن ذلك الصبي كان صبياً وليس جنية متنكرة. كان يريد أن ينضم إلينا ولكنه كان خائفاً. رد فعلنا المخوف بالأقاويل ألغى وجود الصبي فهجرنا الحقيقة وتشبثنا بالأوهام. شاهد ما تراه أمامك لا ما سمعت عنه. ألا تستحق هذه المقولة أن تتحول إلى حكمة؟:more57:


منقوول من جريدة