بسم الله الرحمن الرحيم
قصة رائعة تتجلى فيها الحكمة والدهاء وجور الابتلاء.
يحكى أنه كانت هناك قبيلة من قبائل البادية تعرف باسم بني عرافة . وسميت بهذا الاسم لأن جمع أو أغلب أفراد هذه القبيلة يتميزون بالمعرفة والفطنة والعلم والذكاء الحاد ؛ وبرز من هذه القبيلة رجل أكثر حكمة وحنكة وعدلا وبعد نظر فعين هذا الرجل شيخا وقاضيا لهذه القبيلة.
وكان هذا الرجل متزوجا من أمرآة من حسب ونسب طاهرة شريفة وكانت معززة مكرمة عند الشيخ وكان الشيخ يوفر ويلبي لها كلما تطلبه ولديها من الخدم من يلبي جمع طلباتها وكانت حياتهما الزوجية بمنتهى السعادة وكأنهما أسعد زوجين في العالم.
ورزقا ولدا سمياه (محمد) .
وكان من عادة هذا الشيخ أنه يسافر بين الحين والأخر أما للصلح بين القبائل والعشائر أو لإحضار ما يلزم بيته وقبيلته من المدينة من طعام ولباس ومستلزمات.
وكان من عادة هذا الشيخ أنه يأتي فراش زوجته بخدرها كل ليلة يعود فيها من السفر ولا يأتي فراش زوجته أكثر من مرة في الليلة الواحدة .
وكان لدى هذا الشيخ رجل من أهل المدية ليس من قبيلة الشيخ يعمل عند الشيخ سايسا للخيل وبحكم عمل هذا الرجل لدى الشيخ كان يعرف الكثير من أسرار بيت الشيخ وعائلته.
وفي إحدى الليالي عاد هذا الشيخ من إحدى أسفاره واجتمع عنده وجهاء عشيرته وجلس معهم في مجلس الضيافة يسألونه عن أخبار سفرته ويجيبهم على تساؤلاتهم واستغرق ذلك جزء من الليل.
وفي الأثناء جلوس الشيخ مع قومه دخل سايس الخيل خدر زوجة الشيخ منتحلا شخصية الشيخ.
وحسبت زوجة الشيخ سايس الخيل المحتال هو الشيخ نفسه.
ونال سايس الخيل من زوجة الشيخ ما يناله الرجل من المرأة وبعد ذلك لاذ بالفرار.
وبعد تفرق وجهاء القبيلة من مجلس الشيخ جاء الشيخ لخدر زوجته كعادته بعد عودته من كل سفرة من أسفاره.
وعندما اقترب منها قالت له:ليس من عادتك يا أبا محمد أن تأتيني في الليلة أكثر من مرة؟؟؟ .
وفي هذه اللحظة وعندما سمع الشيخ هذه العبارة من زوجته كان وقع هذه العبارة على الشيخ كالصاعقة المدوية المهلكة.وعرف الشيخ بحكمته وذكائه أن المرأة قدخدعت وقد جاءها هذه الليلة رجل منتحلا شخصية الشيخ وهي تحسبه الشيخ ونال منها ما يناله الرجل من المرأة.
فاعتزل الشيخ عن زوجته ولم يمسسها تلك الليلة ولم يمسسها بعد تلك الليلة حتى فارق الحياة وعاد على الفور الشيخ لمجلسه وبات ليله ساهرا يتقلب كأنه على جمر ويفكر من هذا الرجل الذي انتحل شخصيته في أهم شيء في حياته وكتم الأمر ولم يطع عليه أحدا على الإطلاق لا قريب ولا بعيد حتى عن زوجته نفسها.
وفي الصباح بداء الشيخ البحث الري والمضي عن منتحل شخصته ولم يجد ضالته ولكنه افتقد سايس الخل المحتال وبحث عنه ولم يجده وكلف من يبحث عنه ولكن لم يجده ولم يعرف عن أي علم يرشده لمكان وجوده.
وبحكم فطنة هذا الشيخ ومعرفته بخفايا الكثير من الأمور ربط بين انتحال شخصيته لخداع زوجته وبين اختفاء سايس الخيل.
واعتزل الشيخ خدر زوجته ولم يدخله نهائيا بعد تلك الليلة واعتكف بمجلسه وبعد عدت أسابيع وأثناء جلوس الشيخ بمجلسه وحيدا جاءته زوجته وقالت له:البشارة يا أبا محمد وفرع إليها بصره وقال لها ما عندك:
قالت:أنا حامل بمحمد الثاني.
فوقع هذا الخبر على الشيخ أشد وأعظم من وقعة خداع زوجته سابقا وعرف الشيخ أن زوجته حامل سفاحا وزاد وتعاظم همه وألمه.
وبداء الشيخ يفكر بالتخلص من هذا الجنين الذي نبت برحم زوجته سفاحا.
وصرف الخدم من بيته وأمر زوجته أن تقوم بجميع الأعمال التي يتطلبها البيت وجلب قرب الماء من القليب على ظهرها والاحتطاب على ظهرها متعمدا إجهاد المرأة لعلها تسقط جنين السفح.
وكانت المرأة تتساءل بين الحين والأخر قائلة: يا أبا محمد ما ذا غير معاملتك لي؟؟؟ يا أبا محمد ما ذا أغضبك مني؟؟؟ يا أبا محمد ما هو الذنب الذي ارتكبته لأعامل مثل الجارية؟؟؟ يا أبا محمد أنسيت أنني أم محمد؟؟؟يا أبا محمد أنسيت أنني زوجة كبير القوم وقاضيهم؟؟؟ .
ولم تجد ردا أو جوابا شافيا ولم تجد من الشيخ سوى الصمت.
ومرت الأيام وولدت زوجة الشيخ وأنجبت طفلا سفاحا وهي لا تعلم أنه سفاح ولكن الشيخ يعلم علم اليقين أن هذا الطفل ابن سفاح.
وجاءته البشارة غير السارة بل الطامة والكارثة الثالثة. وقيل للشيخ ما ذا تسميه؟ قال محمد.
وتزوج الشيخ بامرأة ثانية ورزق من الزوجة الثانية مولودا ذكرا وسماه محمد أيضا وأصبح كل واحد من الأولاد الثلاثة اسمه (محمد)
ومرض الشيخ وأحس بقرب الأجل وكتب الشيخ وصيته لأبنائه الثلاثة التي تنص على التالي:
أولا (محمد يرث و محمد لا يرث و محمد يرث)
ثانيا(محمد لا يرث و محمد يرث ومحمد يرث)
ثالثا(محمد يرث و محمد يرث ومحمد لايرث)
وبعد انتهاء مراسيم العزاء بوفاة الشيخ قرأ الأخوة الثلاثة معا وصية والدهم ووقعوا في حيره من أمرهم لأنهم لم يعرفوا من هو الذي لا يرث منهم لاسيما أن محمد الذي لا يرث جاء في أولا (الثاني) وجاء في ثانيا (الأول) وجاء في ثالثا (الثالث) وبعد المشورة وتداول الرأي أجمع الإخوة الثلاثة على الذهب إلى قاضي مشهور مشهود له بالذكاء والحكمة وحل المسائل الصعبة ولكن هذا القاضي المذكور من قبيلة غير قبيلتهم وبعيدة عن قبيلتهم فقرروا أن يذهبوا إليه.
وفي الطريق وجدوا (أثر) جمل سار قبلهم بالطريق الذي هم سائرون فيه فقال محمد الأول هل تعلمون أن هذا الجمل أعور وقال محمد الثاني وهل تعلمون أن الجمل مبتور الذيل وقال محمد الثالث وهل تعلمون أن حمولة هذا الجمل من جانب تمرا ومن الجانب الأخر خلا.
وبينما هم سائرون في الطريق قابلهم رجل يبحث عن الجمل الذي وجدوا أثره في الطرق وسألهم هل رئيتم جملا على طريقكم؟؟؟
فقال محمد الأول: هل جملك أعور؟؟
فقال الرجل: نعم
وقال محمد الثاني: هل جملك مبتور الذيل؟؟
فقال الرجل: نعم
وقال محمد الثالث: هل جملك حمولته من جانب تمر ومن الجانب الأخر خلا ؟؟
فقال الرجل: نعم
وظن الرجل أنهم رأوا جمله بمكان ما لأنهم وصفوا الجمل وصفاً دقيقاً ففرح وقال هل رأيتموه؟؟
فقالوا لا لم نره..

فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وقد وصفوه بدقة!!! .
فقال لهم الرجل أنتم سرقتم جملي وإلا كيف عرفتم أوصافه؟؟ فقالوا لا والله لم نسرقه ؛ فقال لهم الرجل لم أدعكم تذبوا حتى تعيدوا لي جملي أو تخبروني أين رأيتموه أو أقاضيكم عند القاضي الفلاني المشهور.
فقالوا نحن ذاهبون إليه لنتقاضى نحن الثلاثة عنده فتعال معنا لنتقاضى نحن وأياك عنده.
فذهبوا جميعاً للقاضي وعندما وصلوا إلى القاضي وشرح الرجل صاحب الجمل للقاضي القصة كاملة وسأل القاضي.
فسألهم القاضي هل تعرفون شيء عن جمل هذا الرجل؟
قالوا لا والله لم نرى جمله.
قال لهم القاضي وكيف وصفتم الجمل وأنتم لم ترونه؟
قالوا وجدنا أثره في الطريق ومن أثره عرفنا أوصافه.
وسأل القاضي محمد الأول كيف عرفت أن الجمل أعور؟
فقال:عرفت ذلك لأن الجمل الذي وجدنا أثره كان يأكل من النباتات والأشجار التي على جنب واحد ولم يأكل من النبتات والأشجار التي على الجانب الأخر لأنه لم يراها.
وسأل القاضي محمد الثاني كيف عرفت أن الجمل مبتور الذيل؟
فقال:عرفت ذلك لأن الجمل الذي وجدنا أثره برك ليلته في الطريق وبعر(تروث)وقام وروثه مكوما على بعضه ومعروف أن الجمل دائما يحرك ذيله لطرد الذباب والحشرات وأثناء تحريك ذيله يفرق وينثر روثه ومن هذا عرفت أن الجمل متور الذيل.
وسأل القاضي محمد الأول كيف عرفت أن الجمل حملته من جانب تمر ومن الجانب الأخر خلا؟
فقال:عرفت ذلك لأن الجمل الذي وجدنا أثره برك وبات في الطريق وقام وذهب ووجدت الذباب تجمع على جانب من مبرك الجمل ولم يتجمع على الجانب الأخر والمعروف أن التمر ينزل من دبسا والذباب يتجمع على الدبس والحلو ويبتعد عن الخل والحامض.
فقال القاضي للرجل:لا علاقة لهؤلاء الرجال بجملك أذهب وابحث عن جملك.
وبعد انتهاء قضية الجمل وصاحب الجمل سأل القاضي الإخوة الثلاثة عن قضيتهم فقصوا له قضيتهم.
وعرف القاضي من مضمون الوصية أن احد الثلاثة ليس ابنا لهذا الشيخ أي ابن سفاح ولا بد من عمل شيء لمعرفة من منهم هو ابن الزنا.
فقال لهم القاضي:أذهبوا الآن وارتاحوا فأنتم متعبون من السفر الطويل وبعدما ترتاحوا في ضيافي لمدة ثلاثة أيام وبعدها ننظر في قضيتكم.
وذهب القاضي وشرى خروفا وجاء به وأمر القاضي خادمته أن تعد للثلاثة الغداء وأمر خادم آخر أن يراقبهم ويتنصت عليهم ويستمع لكلما يقولونه أثناء تناولهم الغداء.
وفي أثناء الغداء قال محمد الأول: أن المرأة التي عجنت خبز الغداء حائض.
وقال محمد الثاني: أن مضيفنا القاضي ابن زنا.
وقال محمد الثالث: أن هذا اللحم الذي نتناوله لحم كلب.
وكان الخادم الذي كلف بمراقبتهم قد سمع كل شيء قالوه الثلاثة.
وفي اليوم الثاني سأل القاضي الخادم عن الذي حدث أثناء مراقبة الخادم للإخوة الثلاثة.
فقال الخادم: أن أحدهم قال أن المرآة التي عجنت خبز الغداء حائض.
فذهب القاضي لتلك المرأة وسألها ما إذا كانت حائض أم لا فأجبته بأن في الدورة الشهرية. فتفاجأ القاضي كيف عرف محمد الأول أن المرأة حائض وهو لم يراها أبداً!!!