السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أشراط الساعة الصغرى ( والتي ظهرت ولا زالت تكثر وتتابع ) : ضياع الأمانة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ضُيعت الأمانة ، فانتظر الساعة ) قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : ( إذا أُسند الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة ) رواه البخاري .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم كيف تُرفع الأمانة من القلوب
وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها .
روى حذيفة رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين ، رأيت إحداهما ، وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من القرآن ، ثم علموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها ، قال : ( ينام الرجل النومة ، فتُقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ، ثم ينام النومة فتُقبض ، فيبقى أثرها مثل المجل ، كجمرٍ دحرجته على رجلك ، فنفط ، فتراه منتبراً ، وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون ، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة ، فيقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، ويقال للرجل : ما أعقله ! وما أظرفه ! وما أجلده ! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، لئن كان مسلماً ، رده الإسلام ، وإن كان نصرانياً ، رده علي ساعيه ، فأما اليوم ، فما كنت أُبايع إلا فلاناً وفلاناً ) رواه البخاري .

[ الوكت ] : جمع وكتة ، وهي الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه ، ومنه قيل للبسر إذا وقعت فيه نقطة من الأرطاب : قد وكت .
[ المجل ] : هو ما يكون في الكف من أثر العمل بالأشياء الصلبة الخشنة ، كهيئة البثر .
[ نفط ] : بفتح النون وكسر الفاء ، يقال : نفطت يده ، أي : قرحت من العمل ، والنفطة : بثرة تخرج في اليد من العمل ملأي ماء .
[ منتبراً ] : المنتبر كل مرتفع ، ومنه اشتق المنبر ، يقال : انتبر الجرح إذا ورم وامتلأ ماء .
ففي هذا الحديث بيان أن الأمانة سترفع من القلوب
حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً
وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله ، وضعف إيمانه ، وخالط أهل الخيانة
فيصير خائناً ، لأن القرين يقتدي بقرينه .
ومن مظاهر تضييع الأمانة :
إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة ، وقضاء ، ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها
لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس ، واستخفافاً بمصالحهم
وإبغاراً لصدورهم ، وإثارة للفتن بينهم .
فإذا ضيع من يتولى أمر الناس الأمانة والناس تبع لمن يتولى أمرهم كانوا مثله في تضييع الأمانة
فصلاح حال الولاة صلاح لحال الرعية ، وفساده فساد لهم .
ثم إن إسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بدينهم
حتى إنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه
وهذا إنما يكون عند غلبة الجهل ، ورفع العلم
ولهذا ذكر البخاري رحمه الله حديث أبي هريرة الماضي في كتاب العلم ، إشارة إلى هذا .
قال ابن حجر : [ ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ، ورفع العلم ، وذلك من جملة الأشراط ]
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ستكون هناك سنون خداعة ، تنعكس فيها الأمور
يُكذب فيها الصادق ، ويُصدق فيها الكاذب
ويُخوَّن الأمين ، ويؤتمن الخائن