لا زال الذهول مختلط بعدم التصديق على وجوههن منذ أخبرتهن حور عن سبب انفراد أبيها بها ..!
لم يبدن أدنى اعتراض ،، و كأن الأمر مزحة ما أو غير حقيقي ..
و لا زال الشك يلوح في عيونهن ،، الحقيقة أن ردة فعل المها كانت الأغرب ..!
بدا الضيق على وجهها الحلو و هي تعقد جبينها بشدة من أن شرحت لها حور الأمر .. فقط لوحت بيدها غاضبة دون تفسير و دلفت المطبخ لتعد الشاي لخالتهن التي كانت قد وصلت للتو و جلست عن أمهن ،، تنهدت حور ببطء ..
تشعر بتبعثر مشاعرها ..
لا يمكنها أن تشعر بما يخالجها الآن ..
شيء واحد كانت متأكدة منه ،، أن زيارة الغد قد تحمل الكثير ..
.
.
- حوور .. ؟
انتشلها صوت شقيقها الأصغر من أفكارها .. لتلتفت له بعينٍ شاردة ..
- همممم ..؟؟
- مايد في الميلس يبا يسلم عليج ..
طارت تلك الأفكار التي اختنق بها فكرها المشغول و ابتسامة حلوة تعلو شفتيها و هي تصيح بشوق ..
- في ذمتك ..؟؟؟؟؟؟؟؟
لم تنتظر إجابته .. وقعت عيناها على المها و هي تحمل صينية احتوت على إبريق الشاي و أكواب زجاجية ،، لتشير لها بسرعة أن تعد إبريقا آخر لمجلس الرجال .. ثم تهرول إلى هناك بفرحة ،،
أنستها ما عاث في خاطرها من قلق بشأن الغد ..
حال وصولها للباب المجلس ابتسمت و هي ترى حذائه عند الباب .. لوحده هنا ..!
أطلت برأسها بخفة قبل أن تقرع الباب لتجده جالسا في الطرف الأبعد من المجلس الضيق .. كان ينظر للأسفل بحده ساهما .. ابتسمت بحب و هي تفكر .. بما الذي قد يشغل باله ،،
شعر هو بشيء يسد مرور ضوء الشمس عبر الباب ليرفع عينه فيراها واقفة تطل برأسها و هي تبتسم ،،
ابتسم فور رؤيتها .. و هي تقول معاتبة ..
- بعض النااااااااااس .. مقاطعينااا لهم أسابيع محد يشوفهم ..!!
فتح ذراعيه و هو يقول ،،
- ما عندهم سالفة هالناس ..
اقتربت لتسلم عليه بسعادة ثم تضربه على كتفه ..
- مالت عليك يا الدب .. وينك غطيت مرة وحدة .. شحالك ،، شوه اخبارك .. و علومك .. رب ما به يديد .. حد يا كم من مكان ..؟ تولهت عليك ..
ثم تذكرت لتقول و هي تصفق بيديها ..
- حصلت شغل ..؟؟
ضحك مايد بأريحية و هو يعود ليجلس على الأرض فتجلس الى جانبه .. و عيناها متعلقتان به تنتظر اجابه شافية لسؤالها ..
- خييييييبة .. يا حور .. شوي شوي .. كلتينيه .. الحين بشوه أرد أول ..
قالت بلهفة ..
- حصلت شغل ..؟؟
.
.
شعر بوخزه في ضميره قبل إن يقول بهدوء ..
- لا هاي سالفتاا طويلة .. أول شي أنا بخير الحمد الله .. شحالج انتي ..؟
رفعت ابهامها بنصر ..
- ترتوب الأحوال .. كالعادة ..
- خالوه شحالها ...
عقدت حاجبيها بعدم رضا ..
- فديتاا أمايا مادريبها هالأيام شوه مستوي عليها .. كله تعيانة و ميهودة .. حتى العيشة ما تطب ثمها ..
هز رأسه بأسى ..
- هيه تراه أبوج اتصل بامايا اليوم و قالها تيي تشوفها ..
رفعت حور حاجبها و هي تنظر له باستنكار ،،
- أفاا .. يعنتي لو ما أبوية اتصل ما كان ييت هنيه ..؟؟
ابتسم و هو يمسك بكفها الصغير ..
- لا و الله ،، امبونيه بيكم اليوم .. حسيت انيه مصختااا وايد .. و عبيد كان بيي ويايه .. بس ربعه اتصلوبه قبل لا نظر .. و يسلم عليج ..
- الله يسلمه فديته .. هذا السبال من زماااااان عنه .. شوه مسوي في الجامعة ..
هز رأسه برضا ..
- ماشيه أموره الحمدالله .. و ........
قاطعة طرقات على الباب .. لتهب حور من مكانها قبل أن تدخل عفرا و هي تخفي وجهها خلف الغطاء ..
- السلام عليكم ..
هب مايد واقفا في مكانه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
التقطت حور صينية الشاي من بين يدي عفرا التي نظرت لمايد ..
- شحالك مايد ..
- الله يعافيج ،، عفرا ..؟؟
- هيه ..
- شحالج ،، و علوم الثنوية العامة وياج ..
- يسرك الحال ،، الحمد الله كل شي تمام ..
- الله يوفقج ..
هزت عفرا رأسها تهم بالخروج ..
- يوفقنا يميع .. يا الله أترخص ..
و خرجت من المجلس للتقدم حور بالصينية و تضعها أرضا عند مايد الذي عاد ليجلس لتصب له بعض الشاي ..
مدت الكوب و هي تسأله ..
- الحين ما قلتليه .. لقيت شغل ..؟؟
التقط كوب الشاي بتوتر .. ليضعه أرضا .. نظر إليها لبرهة ..
عيناها تنتظران رده ،، لا بد أنها متلهفة لسماع تلك الحكاية الطويلة التي وعدها بها ..
و للحظات راوده شكٌ غريب ..
هل سيرى نظرة التسامح على وجهها الصافي بعد لحظات ..؟!
كان هادئا للغاية و هو يلتقط كوب الشاي ،،
- و الله تعرفين من متى و أنا ادور شغل ،، ما خليت مكان و لا دايرة و لا حكومة الا و قدمت أوراقيه .. و كلهم نفس الرد .. بنتصل بك .. بنتصل بك ،، و هاي الشهور تخطف و محد اتصل ..!!و الله يا حور ما خليت مكان تتخيلينه و ما تتخيلينه الا و قدمت أوراقيه طالب شغل .. بس ما شي فايدة .. هاي يستقدمون الخبرات الأجنبية و عيال البلاد هب محصلين لقمة العيش ..!! ،، ادري ان شهادتيه عادية و هب مطلوبة .. و انالمعهد دراسته ما تساوي دراسة الجامعة .. بس نحن أولى و الا شرايج ..؟!
نظر للحيرة التي سكنت عينيها ..
لماذا يسرد ما تعرفه جيدا ..؟! أهناك شيء آخر ..؟؟
- يعني ما لقيت شغل ..؟؟
تنهد بهدوء .. سيلقي ما في جعبته مرة واحدة ..
- الاسبوع لي طاف واحد من ربعيه خبرنيه عن شركة يديدة توها فاتحة و هاي الشركة تابعة لمجموعة شركات معروفة ،، يمعت أوراقيه .. و سرت الشركة اليوم و قدمتها ..
ابتسمت بتفاؤل ،،
- حلوو .. و متى بيردون عليك ..؟
قال بثقل ..
- الاسبوع الياي .. بس ما سألتينيه شركة منوه هاي ..
كانت عيناها تشعان حماسا ..
- شركة راعيها .. أهم شي انك تحصل شغل ..! بس ليش أسأل معروف راعيها ..؟؟
ابتلع ريقه .. و ركّز بصره على ملامحها ..
ماذا ستقول يا ترى ..؟
- آآ .. هيه تعرفينه ..
ضحكت بقوة و بانت أسنانها البيضاء الصغيرة ،،
- أوووف .. أعرفه .. - ثم أردفت مازحة - قوليه منوه تعرفنيه راعية واسطة أنا بخلهم يقبلونك .. شوه واحد من معجبيني و الا يطلع في التلفزيون ..؟؟
قال بهدوء ..
- مادري .. بس لو طلع ما بتعرفينه ..
ابتسمت و هي تغمز له ،،
- شوه لغز .. أعرفه و ما أعرفه .. امنوه راعيها ..؟؟
ألقى بكلماته بهدوء ..
- ريلـــــج ..
لثوانٍ رنت الكلمة في جو المجلس الهادئ ،، عدم الفهم يرتسم على ملامحها للحظات ..
.
.
تعقد جبينها الآن بادراك قاسي .. ثم استنكار ..
تمعنت في وجهه المترقب بلهفة لما تقول .. همست بقوة ..
- في شركتهم ..؟؟
أومأ برأسه آسفا ،، تنظر له و هي مذهولة .. لا تستطيع تفسير ما يخالجها ،،
أ هي خيبة ..؟! .. حيرة ..!
أم شيء لم تدرك كنهه ..؟
فقط صوته المعتذر يقول بهدوء ..
- قبل لا تزعلين و تيلسين تعاتبينيه .. فكري ،، من متى و أنا أدور شغل ..؟؟ راحت أياميه و أنا يالس عطالي بطالي .. يوم لقيت الفرصة قلت ليش ما أجرب حظيه .. يمكن يقبلونيه هالمرة .. حور أنا ما استغليت علاقتكم بهم .. و أنا خبرت أبوج قبل لا أقدم في الشركة و قال إن ما عنده اعتراض ع السالفة .. !
ثم نظر لها برجاء ،، و كأنما لا يريدها أن تسبب مشكلة بينهما من أجل ما لا يستحق ..
لا تنكر ذاك الضيق الذي اكتنف صدرها و هو يفاجئها بما يحمل ،،
و للحظة تأملت وجهه المترقب .. واثقة بأنه لن يتوانى عن ترك هذه الفرصة إذا طلبت منه ذلك ..
و لكن هل يحق لها بأن تفعل ..؟ .. أن تحرمه هذه الفرصة لمجرد عدم ارتياح يراودها من أولئك الأقارب الذين لم تلتقيهم قط ..؟!
أم عليها أن تتجاهل نزعة الأنانية التي تملكتها و هي تفضل بقاءه بلا عمل على أن يقتربوا منهم ..!!
.
.
هل لها أن تمنحه الراحه ،، أن تبتسم لأجله .. و تخبره بأن لا مانع لديها ..؟؟
يصعب ذلك عليها .. و لكنه ليس بمستحيل ..!
.
.
نمت عن شفتيها ابتسامة حلوة و هي تشد على أنامله ،،
تلك الراحة التي علت محياه تستحق الكثير ..!

* * * * *