سبحان الله ، البعض منا يتعامل مع سائر الناس بأدب ورقة ، وأريحيه .
فتراه في عمله أو مع أصدقائه بشوشاً ، حسن الخلق ، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه .
فإذا ما كان مع زوجته تبدلت حاله ، وذهبت وداعته ، وتولت سماحته ، وحلت غلظته ، وبذاءته ، وفظاظته ، فانقلب أسداً هصوراً على زوجته الضعيفة المسكينة .
فتراه يسيء الأدب مع زوجته ، ويحملها مسؤولية كل شيء ، ويغلظ في عتابها عند أدنى خطأ ، ويهدد بالطلاق عند كل صغيرة وكبيرة .
ولا ريب أن هذا الصنيع دليل على ضعف النفس ، وحقارة الشأن ، وضعف الإيمان .
ولما كانت المرأة ضعيفةً ، فإن الرجل يمتحن بها ، لأن من كان التجبر والتكبر من خلقه ، فسيظهر ذلك في تسلطه ، وشر التسلط ما كان على من يقدر .
ولو كانوا في خلقهم أقوياء ما قست قلوبهم على أهل الرحمة ، فمن ملك نفسه عند هؤلاء ظهرت خيريته .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } (1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم } . (2)

قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة: قَوْله ( خَيْركُمْ )
((أَيْ مِنْ خَيْرِكُمْ لِأَهْلِهِ فَمُرَاده أَنَّ حَسَن الْعِشْرَة مَعَ الْأَهْل مِنْ جُمْلَة الْأَشْيَاء الْمَطْلُوبَة فِي الدِّين فَالْمُتَّصِف بِهِ مِنْ جُمْلَة الْخِيَار مِنْ هَذِهِ الْجِهَة وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُتَّصِف بِهِ يُوَفَّق لِسَائِرِ الصَّالِحَات حَتَّى يَصِير خَيْرًا عَلَى الْإِطْلَاق)).اهـ

وقال الإمام الشوكاني في ( نيل الأوطار ): (( في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبةً في الخير وأحقهم بالاتصاف به ، هو من كان خير الناس لأهله ، فإن الأهل هم الأحقاءُ بالبشر وحُسن الخُلُق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر ، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس ، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيراً ما يقع الناس في هذه الورطة ، فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقاً وأشحهُم نفساً وأقلهم خيراً ، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره ، ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق ، نسأل الله السلامة) )اهـ.

فحقيقة المرء تعرف في بيته أكثر من خارجه ، والسر في هذا أن الإنسان قد يصطنع خارج بيته خلقاً حسناً ويتصبر عليه ، لأن تواجده مع الناس خارج بيته قصير المدى ، فيستطيع أن يجاملهم بخلق مصطنع .
فالأخلاق الحقيقية للمرء يفتش عنها في البيوت هناك يكتشف لينه من فظاظته ، وكرمه من بخله ، وأناته من عجلته .

جعلني الله وإياكم أهلا لهذه الخيرية وتبعاً لسيد البشرية صل الله عليه وسلم