أول من جهر بالقرآن الكريم سيدنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهُذلي، هو أول من جهر بالقرآن الكريم في مكة المكرمة، هو صحابيٌّ جليل من صحابة رسول الله الكريم، راوٍ لحديثه الشريف، دخل الإسلام مبكراً فكان من الستة الأوائل، هو أعلم الصحابة بالقرآن، فما من سورةٍ نزلت إلا ويعلم فيمَ نزلت وأين نزلت. هو قارئ للقرآ ن بصوت شجيٍّ عذب، من الفقراء المعدمين، الذين لا سيط لهم ولا سمعة، ولاجاه ولا عز، نحيل الجسم قصير، ولكن عند اعتناقه الإسلام تبدد كل ذلك واندثر، فأصبح عزيزاً كريماً، رفيع القدر والمقام، فقد اختاره الله عز وجل لدينه، مصاحباً لخير خلقه ونبيه، جاهراً بتلاوة كتابه الكريم، متحدياً بذلك جبابرة قريش وطواغيتهم، فهل بعد هذا كله جاه وعز، فالإسلام يرفع أقواماً ويضع أقواماً.

قصة جهر ابن مسعود بالقرآن الكريم اجتمع صحابة رسول الله يوماً من الأيام يتبادلون أطراف الحديث، فقالوا: إنّ قريشاً لم تسمع القرآن يُجهر به، فمن منكم يستطيع فعل هذا الأمر، فقال عبد الله بن مسعود،: أنا سأفعل ذلك، فقالوا: إنما أردنا رجلاً ذا عشيرة ومكانة كي يحموه ويدافعوا عنه إن لزم الأمر، فقال عبد الله: الله سيمنعني، فذهب للكعبة، وبدأ بقراءة القرآن الكريم واختار سورة الرحمن. كانت حينئذٍ قريش مجتمعة، فبعد أن علموا أنه يقرأ شيئاً مما أنزل على محمد نظروا إليه باستغراب وذهول، وقالوا: كيف يجرؤ على فعل هذا أمامنا؟ فانهالوا عليه ضرباً شديداً، ولكنه استمر في تلاوته حتى قرأ ما شاء الله له أن يقرأ من هذه السورة، وبعدها سكت وتوقف عن القراءة، فانصرف عنه المشركون وقد غلب على ظنهم موته، فهرع إليه الصحب الكرام، وقد بلغ الضرب والألم به ما بلغ، فقالوا له: هذا ما خشيناه عليك منهم، فقال: لو شئتم لأفعلنّ هذا غداً.