،

لما حين نسمع صبيب المطر، يتحرك فينا الصبي الصغير،
ويدرك أنه كبر مبكراً، ويدرك أن لعبة الماء نسي نشيدها،
وأن من كان يتشابك معهم باليد، ويتحركون في دوائر، ويرتشفون القطرات
الساقطة من الغيم، غابوا، تاركين المكان غير مكانهم في القلب؟



،

لما للمطر دائماً عطر امرأة، التصاق الثوب المبتل، تضاريس الماء،
لمعة الشعر الرطب، قطرات من بلور على صفحة الخد والجيب، وتلك
الضحكة المختبئة خلف شفاه من كرز، ونظرة العين الكسلى
حين يخَدّرها قدوم الليل والمطر؟



،

لما للمطر حروف وقصائد تصيغها بعض المدن دون غيرها، فيكون لزوجين
وهروب الاختباء، ومظلتهما المشتركة معنى، يكون لاستفاقة عجوز،
وعبوره المتمهل، وتلك الصحيفة المقروءة، وقاء الرأس معنى،
يكون لدفء عاشقين مخترسين بالماء، يتراكضان، يتزاغيان، ويحتميان
بمعطف مشترك معنى، تكون لواجهة المقهى الزجاجية، وثرثرات الزبائن
الداخلين إليه في عجل، والمتعة التي يفرضها طول الجلوس، وغبش
الهواء الساكن معنى، لليل والتماعة الأرصفة القديمة معنى، لانبعاث
بعض الأغاني معنى، للبهجة بتلك المشاغبة التي تفرح بها بعض المدن،
دون غيرها ساعة المطر معنى؟



،

لما للمطر أجنحة من نور، تسافر بك نحو أمكنتك الحميمية، هناك..
لا تنسى شرفة معلقة في باريس، ولا البيت الصخري في عالي بيروت،




ولا ذلك اللون الزعفراني الذي يصبغ الأشياء في مُراكش، ولا زهو نخيل العين
بالارتواء، وحين تطارح المطر نَعِيش السعف، ومعنى بريق الاخضرار.



،

لما حينما ينزل قطر، يستبشر الناس خيراً؟ لما يحتبس الشر بسقوط المطر؟
هل هي صلاة قديمة لدعاء الإنسان، احتفاء بالنماء والخصب،
واحتفالاً بالتكاثر والعيش مديداً؟ لما في حضرة المطر تكف النفس من طمعها،
وتشعر بقيمة قسمة السماء؟ وحده الجفاف واليباس،
وانقطاع الجو المطير، يستدعي الدم، والشر المستطير.



،

هل للمطر أغنية واحدة، يشدو بها في كل الأمكنة بذات الصوت؟
هل أغنية المطر ليلاً تشبه مطر الفجر؟ هل لمطر مدن السواحل إيقاع
مد الموج، ولمطر بيوت الجبل صهيل الصخر؟ هل لسكنى الوهاد
حظ غير خرير الماء وحفيف الورق الهارب، ومعنى الانتظار؟


،

لما للمطر أمر كالسعادة، يتساوى فيها الكبير والصغير،
حتى غزلان البر لها ذاك الفرح البعيد، هل للمطر شيء من الوعد،
وكثير من المواعيد؟