كانت قد تعددت ، و كثرت مشارب البدع و الاجتهادات و الرؤى الغير سليمة و الخاطئة بل الهرطقات في الديانة المسيحية ، و ذلك منذ نشأتها شأنها في ذلك كشأن العديد من الديانات ، و لكن كانت الديانة المسيحية هي من نالت الجزء الأكبر من تلك البدع و الخرافات وخصوصاً تلك الهرطقات التي كان من قام بإطلاقها هم كبار رجال الدين المسيحي ، مثال تلك البدعة الأريوسية ، و قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى من قام بإطلاقها والمدعو ( أريوس) ، و البدعة النسطورية نسبة إلى من قام بإطلاقها والمدعو ( نسطور) ، و لعل من أكثر تلك البدع تأثيراً وإحداثاً للضجيج في التاريخ المسيحي الكنسي الحديث كانت بدعة صكوك الغفران ، و هي عبارة عن منح قطعة من أراضي الجنة من الكنيسة إلى الأشخاص أي أن يقوم الشخص بشراء قطعة أرض من الجنة من الكنيسة في لقاء دفعه للمال ، و ذلك عن طريق قيامه بشراء صكاً أي عقداً شرعياً صادراً من الكنيسة وهو يقضي علاوة على منحه قطعة أرض في الجنة غفران ذنوبه و إقرار التوبة له وذلك مهما كانت خطاياه أو أثامه أو الذنوب التي قام بإرتكابها بل الغريب أن تلك الهرطقة كانت صادرة من أعلى رتبة من الهرم الإكليريكي ، و ذلك لدى الطائفة الكاثوليكية وهي رتبة البابا .
تعريف صكوك الغفران :– أو كما كانت تسمى أحيانا (اندولجنتيا) ، و ذلك حسب المعتقدات الخاصة بالطائفة الكاثوليكية المسيحية بأنها هي عبارة عن ذلك الصفح والغفران عن تلك الخطايا التي قام الإنسان بارتكابها و إعفاءه من العقاب عليها وذلك يكون أما بشكلاً جزئيا ً ، أو بشكلاً كلياً ، و بعد أن يقوم الفرد بالاعتراف للكاهن عن كل ما قد قام بفعله من خطايا وذنوب وبعدها تتم قبول توبته عن طريق منحه تلك الوثيقة الخطية الصادرة من الكنيسة والتي تؤكد حصوله على الغفران والتوبة وذلك في مقابل أن يقوم بدفع مبلغاً من المال للكنيسة .
كيف كانت بداية فكرة (صكوك الغفران) :– كانت بداية فكرة صكوك الغفران عندما أراد البابا ( لاون العاشر) ، أن يقوم ببناء كنيسة خاصة بالقديس بطرس و ذلك في مدينة روما فقام على أثر ذلك بإصدار مجموعة من الصكوك وذلك من أجل القيام ببيعها وجمع الأموال التي ستأتي منها كنتاج لعملية البيع تلك والقيام ببناء الكنيسة الجديدة بها ووصل حد المبالغة والهرطقة في ذلك إلى حداً غير مسبوق لدرجة قيام المندوب البابوي الخطيب المدعو (حنا تنزل ) في أثناء قيامه بحملة الترويج لتلك الصكوك وبيعها أن قال (أن الرجل الذي ارتكب الخطيئة مع السيدة العذراء المباركة فإن تلك الصكوك كفيلة بأن تقوم بمنحه الغفران الكامل ) وهذا القول الشديد الوقاحة والإساءة من جانب (حنا تنزل) ، ما لبث و أن فجر الاعتراضات والمعارضة لممارسات الكنيسة الكاثوليكية والتي أرهقت إلى حد كبيراً للغاية رعاياها سواء بشكلاً نفسياً أو حتى ماديا ومن أبرز تلك الاعتراضات كان الاعتراض الشهير (لمارتن لوثر ) والذي وصل إلى به حد الاعتراض إلى قيامه بكتابة وثيقة تضمنت في محتواها عدد ( 95 ) حجة قام فيها باتهام الكنيسة الكاثوليكية بالفساد و أنتقد بشكلاً صريحاً سياساتها الشاذة تجاه شعبها المؤمن بها ، وقام بتعليق تلك الوثيقة الشهيرة على باب الكنيسة في (فتبزج) ، و كان ذلك في يوم ( 31 ) من شهر أكتوبر لعام ( 1517 م ) ومن هنا بدأت المواجهات القوية بينه وبين البابا ، و امتدت تلك المواجهات و اتسعت وتيرتها لتشتمل العديد من الأفكار والمفاهيم التي تخص الديانة المسيحية وخاصة الكنيسة الكاثوليكية ممثلة في البابا ولم يستطيع البابا أن يقوم بإقناع ( مارتن لوثر ) عن التراجع عن أفكاره ومفاهيمه إلى تدعو إلى الاعتراض والاحتجاج على سياسات الكنيسة بل أنه سرعان ما استفحلت تلك الاعتراضات وزاد عدد المؤيدين لها بين الناس وزاد السخط على الكنيسة وما تقوم به من سياسات مرهقة وغير عادلة بل شاذة في أحيان أخرى لشعبها مثل فكرة الصكوك الغريبة هذه وبيع أراضي في الجنة وامتلاك القدرة على منح العفو والتوبة لمن يقوم بدفع المال وما إلى غير ذلك من أمور غير عقلانية عديدة .