الجنان كما وردت في القرآن الكريم سبع: أولها المقام المحمود وهو مقام مختص بشخص واحد مخصوص هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص الآية رقم (79) من سورة (الإسراء) قال تعالى «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا» ومعلوم أن (عسى) عند الله تعالى توكيدية وليست احتمالية.. وتستتبع هذه المكانة الشفاعة الكبرى، وفي صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم - عليه السلام - فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى - عليه السلام - فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأوتى فأقول أنا لها . . . وذكر الحديث
٭ ثاني الجنان هي (جنة النعيم) وهي مخصصة لفئتين فقط أصالة هم الأنبياء عليهم السلام، وفئة ثالثة استثناءًَ وترغيباً: أما الفئتين الأصليتين فأعلاهما (المقربون) قال الله تعالى في الآيات 10 - 12 من سورة الواقعة: «وَالسَّابِقُونَ السابقونَ* أولئك المقربون* في جنات النعيم» أما الفئة الثانية الأصلية فهم (المخلصون): قال الله تعالى في الآيات رقم 40 - 34 من سورة (الصافات(: «إلا عباد الله المخلصين* أولئك لهم رزق معلوم* فواكه وهم مكرمون * في جنات النعيم» ورغم أن هاتين الفئتين من الرسل، وفي داخل جنة واحدة هي (جنة النعيم) إلا أن هناك فرقاً هائلاً في المزايا والخدمات بينهما، تؤكد أن فئة (المقربين) أعلى درجة من (المخلصين) ففي سورتي (الواقعة) و(الصافات) هنالك جدول مقارنة رائع بين الفئتين يؤكد أن (المقربين) هم أفضل شأناً في المزايا والخدمات من (المخلصين) إذ تنص الآية رقم (15) من سورة الواقعة أن جلسة المقربين: «متكئين على سرر موضونة» أي منسوجة ومزخرفة ومطرزة بالجواهر، أما المخلصون: فتنص الآية رقم (44) من سورة (الصافات( أنهم «على سرر متقابلين» سرر فقط لم توصف بأنها (موضونة) وهذا يعني أنه لا توجد زخرفة ولا تطريز..
٭ المقربون تنص الآية (61) من سورة الواقعة أنهم يطاف عليهم «بأباريق وأكواب وكأس من معين» منتهى كرم الضيافة: (الأكواب مع الإبريق )فاذا أردت الزيادة يمكنك أن تملأ كأساً آخر.. يضاف إلى ذلك كوب ماء بارد «كأس من معين» أما المخلصون فتوضح سورة الصافات الاية (44) «يطاف عليهم بكأس من معين» اختفت هنا الأباريق والأكواب ولم يبق سوى الماء فقط في الكأس.
الفواكه عند المقربين كما تشتهي أنفسهم ولهم خيارات واسعة: قال تعالى في الأية (15) من سورة (الواقعة(: «وفواكه مما يتخيرون» أما المخلصون فتوضح الأية (44) من سورة الصافات أنها محددة ولا مجال للخيارات، قال تعالى: «وفواكه وهم مكرمون»، أما من حيث الحور: فعند المقربين أكثر جمالا وبهاءً، فهن حسب الاية رقم (15) من سورة الواقعة: «كأمثال اللؤلؤ المكنون»، أما المخلصون فحورهم أقل درجة فحسب الأية (44) من (الصافات(: «كأنهن بيض مكنون» .. لذا سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم (التغابن) إذ يجد الناس التفاضل في درجات الجنان فكل مثقال ذرة من آجر تفرق كثيراً، فيلومون أنفسهم: لو أني تنفلت بركعتين زيادة لكنت الآن في الفردوس، ولو أني لم أضيع وقتاً طويلاً من عمري بلا عبادة لكنت في درجة أعلى فيغبن الشخص على نفسه لتقصيرها.
الفئة الثالثة الاستثنائية التي تدخل (جنة النعيم) مباشرة هم أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى في الآية رقم (65) من سورة (المائدة) : «ولوأن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم» تعالوا لندعو اليهود والنصارى للإسلام ولنقل لهم هلموا إلى جنات النعيم، فهو إغراء كبير لهم من رب العزة والجلال وترغيب لم يجده حتى المسلمين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نعتدل في طلب الجنة فلا نتطاول إلى طلب جنة النعيم ولا إلى طلب الغرفة لأن كلا هاتين الجنتين مراقيهما صعبة، لذا فهو يدعونا لأن نكون واقعيين: فقال: «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس» حديث صحيح أورده أبو نعيم في صفة الجنة عن أحمد بن حنبل، فهي الأكثر واقعية والأقرب لامكانياتنا فجنة النعيم مقصورة على الرسل فقط، والغرفة تحتاج إلى 22 شرطاً لبلوغها، أما الفردوس فليس لها سوى 6 شروط فقط ذكرت في أول سورة (المؤمنون) سنفصلها بعد قليل.
٭ ومن الجنان أيضاً (الغرفة) وللحصول على هذه الجنة يجب أن يحقق الانسان 22 شرطاً موزعة على النحو التالي: أولاً في سورة الأنعام الآية من 151- 251 أن يكون الإنسان من المتقين، وهذه التقوى تتحقق بعشرة شروط:
«قلُ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (153)
٭ كما وردت بقية الشروط في سورة الفرقان في الآيات بدءً من (63) من قوله تعالى «وَعِبَادُ الرحمن الذين يمشون عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ٭ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ٭ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ٭ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا٭ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٭ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٭ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٭ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ٭ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ٭ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ٭ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ٭ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» إلى قوله تعالى في الآية (75) «أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً»
بقيت لدينا أربع جنان هي الفردوس وعدن والخلد والمأوي نتناولها المرة القادمة.