هذه المرة لم تكن السجينة عادية، عندما رآها مدير السجن تهاوت جدران اندهاشه، وعندما عرف قضيتها تكسرت مرآة حيرته، كانت صبية ملطخ إناءها بريح الدم. فما الذي أوعزها لجريمة القتل؟، في رمسة شيطانية أوت أشواكها ثلة من شباب وشابات استخفت عقولهم مهاوي التحضر، وجفت عن مساقيهم عناية المربين، وحنانهم، اجتمعوا ﻷجل إمداد غرائزهم المحرومة من وهم العلاقات العنكبوتية الواهية، وفي نشوة الإغراء قام شاب لهذه الفتاة المسكينة ليسخر منها أنه سيفعل بأمها كذا وكذا، فثارت في نفس الفتاة عرق ما زال حيا ينبض بوقع الحياء، وكان ردها القاسي معبرا عن مزيج الطيش العقلي وثوران الشباب، فأردته صريعا ممزق الأحشاء.
تفرقعت من فعلتها الهوجاء المتسارعة فقاعات الأمل فظلت تبكي ولا تدري لما البكاء وظلت تنوح ولا ثمت نواح.
انتشلت الشرطة أطرافها البائسة وحملتها من سجنها إلى سجن آخر، ولربما هذه المرة تتغير القيود والأغلال، وإلى الله ترجع الأمور.
أدخلت سجن النساء بلا موعد مسبق، وكانت أصغرهن عمرا، وأكبرهن بأسا، دخلت ورعشة أصابعها ما زالت ترتجف حيرة مما فعلت وأين زهرة شبابها ارتمت؟!.
إن كهؤلاء فريسة سهلة المنال لشياطين عصرنا التي لا تفرق مخالبها بين هزيل الصيد وسمينه والعياذ بالله. في أول ساعات السجن التي لم تكن باليسيرة، رأت الفتاة سلوكا على المسجونات لم تعهده بحياتها، فصرخت بأعلى صوتها مستغيثة بالسجانة، تسألها ما خطبهن يقفن ثم يدنين راكعات ثم ساجدات، فأجابتها: سبحان الله إنها الصلاة. قالت : وما الصلاة؟ قالت سبحان الله لا تعلمين الصلاة، إن لنا ربا خلقنا وعلينا أن نعبده.


فقامت رويدا رويدا تعلمها الصلاة وتغرس في تربتها الجافة بذور حب الله وتتعهدها بالسقي يوميا، حتى أحبت الفتاة ربها فظلت تعبده ليل نهار، وهي ترجو رحمته وتأمل مودته، هكذا غشيها الرحمن بمضنون قربه ورفع قدرها إلى أفلاك حبه.
أستأذنت الفتاة لمقابلة مدير السجن، الذي كان يتابع بأمانة ضميره تطور الفتاة، فسألته عن حكم القضاء على جريمتها.
وحكمها القاضي بالإعدام قد صدر من فترة لكنه أخفاه في درج مكتبه عنها، فأراد التملص من الجواب ولكنها ألحت عليه بقولها لا تأخرني عن لقاء ربي ووعيده لي بالجنة. عندها ضاقت حيلة رأفته بها فأخبرها بصوت مختنق الأحزان بصدور حكمها.
وفي يوم تلامست فيه بشرة السماء بالأرض، مدت الأقدار شفتاها لتمنح الفتاة قبلة عذراء لحياة سمردية أبدية بعيدة عن مرأى الدنيا ومفاتنها، ولكن قبل الرحيل رفعت أكفها تدعو بالويل والثبور لمن؟، ﻷبوين رميا عذريتها فريسة سهلة في صحراء الفساد لتتقاذفها حمم الذئاب، فالأب طيخة السكر مع رفقائه والأم قسمت وحشتها على لعاب المفسدين، وقد حرموها الحنان والعطف والاهتمام، وحرموها أعلى شرف للإنسان وهو معرفة الله وحبه وعبادته وذكره. نعم فارقت روحها الحياة وقد قدر الله لجسدها الطاهر أن تغسله أيادي نساء طاهرات حضرن مشهد حكمها، فلله الأمر من قبل ومن بعد. أيها الآباء والأمهات إن ما ذكرته غيض من فيض الفتن وتغلغلها في هذا الزمن المرهق، فهل ترضون ﻷنفسكم أن تكونوا في مقام يدعى عليكم من قبل أولادكم أم يدعى لكم؟.
إذن اتقوا الله في أولادكم حق التقوى، ولا تجعلوا من سلوككم ثغرة يستغلها الشيطان ليستقطبهم منها نحو مفاسده، واحذروا رحمكم الله فإننا نعيش في زمن وجب فيه الحذر الشديد من وسائل الإعلان ورفقاء السوء والكثير من دواعي التحضر فلنتخير الخير لهم ﻷن صلاحنا موصول بصلاحهم وفسادنا موصول بفسادهم إلا من تداركته رحمة الرحمن.

دمتم في حفظ الله جميعا.