تلاحظ أن صاحب اختيار الخير لديه استعداد أن يضغط على بعض الغرائز عندما تتعارض مع اختياره, لكن مختار الصناعي يطلق غرائزه بحرية ولا مشكلة عنده, فإطلاقها يتناسب مع اختياره, لكن الدوائر العليا من شعوره تؤنبه وتلومه.
قد ينظر أحد بنظرة مادية إلى تصرفات شخص ما ويستنتج من تنوع تصرفاته تنوع اختياراته, كحجة على أن للإنسان اختيارات متعددة وليس اختيار واحد, لكن كل هذه الاختيارات المتنوعة تجد بينها قاسماً مشتركاً, فكلها تخدم وترتبط باختيار واحد, وليست هذه الأشياء المتعددة منفصلة عن بعضها تمام الانفصال. وستجد أن هناك أشياء يفعلها الشخص معاكسة لاختياره, لكنه مجبَر عليها , سواء كان اختيار موجب أو سالب, والعلامة أنه لا يجيدها ولا يجد متعة في تنفيذها, فالدنيوي يجبر أحياناً أن يجامل ويراعي مظاهر الأخلاق, والمؤمن أحياناً يجبر لأن يداري ويجامل وقد يكون بدافع الخوف. مثلاً أحد يحب التجارة والكسب ويحب الغرب ويحب المصارعة ويحب المباريات ويتعصب لها وبنفس الوقت تجد أنه يقوم بواجباته الدينية ويهنئ أقاربه بالعيد، كل هذه الأمور المتنوعة يجمعها اختيار واحد. ألا تجد أناساً يتبرعون لغيرهم حين يحقق تبرعهم شهرة وثناء ومع أن أقاربهم محتاجين للمساعدة ولا يعطونهم؟ الله سبحانه يقول: {لكل وجهة هو موليها} أي أن لكل إنسان وجهة واحدة وليست وجهات, فالاختيار واحد وليس هناك اختيارات مختلفة , {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} فكل يكدح باختياره.
هناك من هم سريعون في الطبيعي وبطيؤون في الصناعي وهذا يدل على اختيارهم الخير, والعكس بالعكس، وتجد مثلاً من الناس من هم سريعون بالاتنقاد ولكنهم ليسوا سريعين بالشكر، وسريعون بالحسد و بالمطالبة بحقهم, هذه أشياء ربما تدل على اختيارهم السيء إن عززها ما يشابهها.
من يختار شيئا تجد أنه يختار ما حوله, ومن علامات أنك مختار للخط الطبيعي أو الخط الصناعي: (الرغبة - الاستمرار- الرغبة بالاستزادة – المتعة - وصعوبة التخلي), فالأشياء التي حول الشيء المختار بينها قاسم مشترك وروابط, ومن علاماتها (التنفيذ), فتأتي الإنسان أحاسيس مختلفة, ما الذي جعله ينفذ الأحاسيس من هذا النوع وليس النوع الآخر؟ ألم يأت الكذاب أحاسيس بأنه يجب أن يكن صادق وواضح؟ لكنه تركها.
الاختيار لا علاقة له بالمصالح (قانون), فاختيار الخير له مصلحة والاختيار السيء له مصلحة, والمصلحة الحقيقية والدائمة مع الاختيار الحقيقي, لهذا فالاختيار لا علاقة له بالمصالح, ومختار الصناعي يرى مختار الطبيعي مثلما يرى مختار الطبيعي مختار الصناعي, أنه منفر ولا يريده لا هو و لا مصالحه, والله سبحانه يقول : {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم} أي أن الاختيار هو الذي ألف بينهم بعد الله سبحانه , فلا تجد اختلاف حقيقي بين أصحاب الاختيار الآخر , فالحكاية حكاية إسلام , فمن أسلم أمره إلى الله فإنه قد اختار الخير , فالإسلام هو الاختيار.
وكل شخص بسبب اختياره هو ينتقي من مجتمعه و ما حوله ما يناسب اختياره , ومن علامات عدم الاختيار (سوء الفهم) لأن الاختيار يحول بينك وبين الفهم , فالعلامة الفارقة في الاختيار هو الفهم , فصاحب اختيار الخير لا يستطيع أن يفكر مثل صاحب اختيار الشر , ولا يستطيع أن ينتبه كل الوقت ويجعل تفكيره سيء بالكامل, فلا بد أن يغفل ويدخل اختياره الحقيقي في الموضوع ويخرب عمله الصناعي, فكل شيء تعمله وأنت لم تختره فإنك لا تستطيع أن تفهمه , فإن كان شخص مختار للشر وهو يقول عن نفسه مسلم , وقلت له في خصومة له : بأن الله يحب التسامح, فإنه لن يستطيع التسامح, لأنه لا يستطيع أن يفهم ما يريد الله لأنه لم يختر الخير ولم يسلم نفسه تسليم حقيقي لله تعالى , فالاختيار يُفهِّم صاحبه (قانون).
وصاحب اختيار الشر يسبب الرعب للآخرين وقد لا تجد عليه مظهر من مظاهر الخوف , لكن الشعور قد رأى الصناعي لدى هذا الشخص مهما كان يظهر بمظهر خيّر, وهذا يدل أن الإنسان يستطيع أن يحس باختيار الآخر, فالاختيار لا يخفى على أحد.
من علامات الصناعي أنه لا يرى الخير إلا إذا وافق مصلحته ، وهو بهذا لم ير الخير حقيقة وإنما رأى مصلحته منه.
المفضلات