عبدالله حسين باسلامة
يروى أن اثنين من الأطباء فتحا عيادتيهما في عمارة في شارع مشهور ومعروف وكانت العيدتان بجانب بعضهما. وبعد فترة من العمل في العيادة لاحظ أحدهما أن مرضاه وطالبي المعالجة عنده وطالبي خبرته وعلمه، عدد متواضع جدا من المراجعين، بينما الطبيب المجاور له (والذي كان صديقا وزميل دراسته في الثانوية وفي كلية الطب وفيما بعد وفي نفس التخصص) كان المراجعون لعيادة جاره عددا كبيرا حتى إن بعضا من المراجعين يملأون الساحة بين العيادتين وأن بعضا منهم يتجرأ ويجلس في صالة انتظاره دون إذن. استمر هذا الحال والفارق في عدد المراجعين عدة أسابيع. ونفد صبر صاحب العيادة القليلة الحظ، ولم يستطع تحمل هذا الفرق في عدد المراجعين بين العيادتين!

لذا اندفع إلى عيادة زميله ودخل عليه منفعلا..! وقال له «يا صديقي ألم أكن أنا أشطر منك في الدراسة؟ ألم تكن علاماتي في الدراسة أعلى من علاماتك.؟ ألم أكن أساعدك في الدراسة في الطب ألم يكن تقديري في التخرج ممتازا وتقديرك مقبولا؟ ألم تعترف لي يوما بأني أذكى منك..؟ فرد عليه صاحبه المحظوظ بالمراجعين «نعم، كنت أشطر مني وأذكى...!» فقال له الأول مستفسرا «فإذا كنت أنا أشطر وأذكى منك، فلماذا هذا العدد الكبير من المرضى يأتون إليك وأنا حظي من المرضى محدود...؟» فقال له الطبيب المحظوظ «تعال معي إلى (البلكونة) لأريك..؟» فخرج كلاهما إلى الشرفة ونظرا معا إلى الناس في الميدان ـ خلق كثير ـ فقال له صاحبه «كم من هؤلاء الذين تراهم من الأذكياء مثلك». فقال له صاحبه: حوالي 10% فقال له صاحبه المحظوظ «بما أنك ذكي فإن هؤلاء الـ 10% هم زبائنك والباقي هم زبائني...!».

ولقد مر بي موقف مماثل لما ذكر سابقا.. فلقد فتحت الدكتورة ماري (الهندية والحاصلة على شهادة الزمالة البريطانية في أمراض النساء والولادة) فتحت عيادة خاصة في العمارة المقابلة للعمارة التي كانت فيها عيادتي في (الرياض) وكان حظي أو ما قسمه الله لي من الخير أن المراجعات لعيادتي كن ومرافقوهن يملأون العيادة والممرات والدرج أحيانا، وكان حظها من المراجعات لا يتعدى عدد الأصابع.! وكنا نعمل معا في مستشفى الشميسي المركزي في الرياض، ولم يكن هناك من حاملي شهادات التخصص العالية في طب النساء والتوليد الكثير غيرنا فكانت الدكتورة ماري تسألني كل صباح عن عدد مراجعي عيادتي وكنت أقول لها بكل صراحة العدد.! وكان ردها الدائم ـ باللغة الإنجليزية ـ ولماذا أنا عدد مراجعي قليل.؟ وكنت أقول لها «تلك الأرزاق يقسمها الله...» حيث لم أكن أجد ردا علميا ومقنعا لها.

عبدالله حسين باسلامة

المصدر/ صحيفة عكاظ