بسم الله الرحمن الرحيم


وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له رب العالمين وإله المرسلين وقيوم السموات والأرضين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشك واليقين
إخوتي وأخواتي الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ـ
فإمتثالا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "بلغواعنيولوآية " نتدارس اليوم حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري
هذا الحديث خرجه البخاري عن على بن المدنيي وخرج الإمام أحمد والنسائى من حديث الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي وقال اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يعني جهازه للرحيل
وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال ‏{‏إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ‏}‏ غافر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول مالي ولي الدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال لهم اعبروها ولا تعمروها وروي عنه أنه قال من ذا الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم فقال إن لنا بيتًا نتوجه إليه فقال إنه لا بد لك من متاع مادمت هاهنا فقال إن صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نري بيتك بيت رجل مرتحل فقال لا أرتحل ولكن أطرد طردا،
وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولا عمل قال بعض الحكماء عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة وقال عمر بن عبدالعزيز في خطبته إن الدنيا ليست بدار قراركم كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها منها الظعن فكم من عامر موثق عن قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن مابحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوي
وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولاوطنا فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة همه التزود للرجوع إلى وطنه أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة فلهذا وصي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين فأحدهما أن يترك المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه وإنما هو مقيم في الدنيا ليقضي مرمة جهازه إلى الرجوع إلى وطنه
قال الفضيل بن عياض المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه مرمة جهازه ومن كان في الدنيا كذلك فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلى وطنه فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم ولا يجزع من الذل عندهم قال الحسن المؤمن كالغريب لا يجزع من ذلها ولا ينافس في عزها له شأن وللناس شأن لما خلق الله آدم عليه السلام أسكن هو وزوجته الجنة ثم أهبط منها ووعد بالرجو