قَآلَ تَعآلَى [ ثُم استَوى إلى السَمآءِ وهِي دُخآنٌ فَقآلَ لَهآ وللـأرضِ ائتِيآ طَوعًا
أو كَرهآ قَآلَتآ أتينَآ طآئِعِين , فَقضآهُنّ اللهُ سَبعَ سَمآوآتٍ فِي يَومَين وأوحَى
فِي كُل سَمآءٍ أمرَهآ ...] ذُكرَ فِي الجُزءِ السآبِق خَلقَ السَمآوآتِ والـأرضِ
وبَعضُ الصِفآت وامّآ الـآن مَآ بَعدَ ذلِك , فتَفسيرُ قَولِه [ فِي كُل سَمآءٍ أمرَهآ ]
أي : ألقَى فِي كُل سَمآءٍ مِن السَمآوآتِ السَبع مَآ أرآد مِن الخَلق .
وعَن مُوسَى قَآل فِي قَولِه [ فِي كُل سَمآءٍ أمرَهآ ] خَلقَ فِي كُل سَمآءٍ خَلقَهآ مِن المَلـآئِكةِ والخَلقِ
الذَي فِيهآ مِن البِحآرُ وجِبآل البرْد , ومَآ لـآ يَعلَم . وخَلقَ الجَآن كَذلِك ,
وقِيل شَمسَهآ وقَمرَهآ ونُجومَهآ وصَلـآحِهآ . والـأرجَحُ انّهم المَلـآئِكة .
وقَد خَلقَهُم اللهُ لِيكُونُوآ جُنودَه , الذَينَ يَقُومُون بأمرٍ مِنهُ سُبحآنَه وتَدبِيرِه عَلى شُئونِ الخَلق .
وقَد خَلقَ اللهُ المَلـآئِكةَ مِن نُور , وهُم مُتفآوتُون فِي القُوة , ومُختَلِفُون فِي الـأعمَآلِ الموكَلةِ لَهُم ,
وقِيل ان الجآنَ قَبيلَةٌ مِن المَلـآئِكَة , وانّ إبلِيسَ مِن الجَآن , واختَلفَ الكَثيرُ مِن العُلَمآءِ فِي ذَلِك ,
فَذهَبَت جَمآعَةٌ كَبِيرَةٌ مِن السَلَف إلى أنّ أصلَهُ كَآنَ مِن المَلـآئِكَة , وانّ اللهَ نَسخَهُ مِن دِيوآنِ المَلـآئِكَة
فَصيّرَهُ شَيطآن , وقَآلُوآ : ويَدُل عَلى هَذآ استِثنآؤهُ مِن المَلـآئِكَةِ فِي جَمِيع السُورِ التَي فِيهآ قِصةُ إبلِيس وآدَم .
وقَآلَ البَعض , اصلُ إبلِيس لَم يَكُن مِن المَلـآئِكَة , ولكنّه جَنّي خَلقَه اللهُ مِن مَآرِجٍ مِن نَآر , وكَآنَ يَتعبدُ
مَع المَلـآئِكَة , ويعمَلُ بأعمآلِهِم فَنسَب إليهِم , وهُو فِي الحَقيقَةِ لَيسَ مِنهُم .
والدَليل عَلى ذلِك انّه خَآلَف صِفآتَ المَلـآئِكة التَي قَآلَ اللهُ عَنهُم فِي القُرآن
[ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ , لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ... ] وإبلِيسُ لَم يَعمَل بذلِك وعَصَى رَبّه , وقَولُه تَعآلَى
[ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ] .
قَآلَ اللهُ تَعآلَى [ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ] أي قَبل خَلقِ البَشَر وكَمآ قَآلَ
قُتآدَه : هُو إبلِيسُ خُلِق قَبلَ آدَم . وقَآل ابن عَبّآس فِي تَفسِير الـآيَةِ السَآبِقَة :
هُو أبُو الجِن كَمآ ان آدَم ابُو البَشَر . ويُقآل الجَآن : ابُو الجِن , وإبلِيسُ أبُو البَشَر .
وفِي الجِن مُسلِمُون وكَآفِرُون , ويَحيونَ ويمُوتُون , وامّآ الشَيآطِينُ فَليسَ مِنهُم مُسلِمُون
ويُموتُون بِمَوتِ إبلِيس . وذَكرَ وهَب : إنّ مِن الجِن مَن يُولَد لَهُم ويَأكُلونَ ويَشرَبُون
[ بِمَنزِلةِ الـآدَميين ] ومِن الجِن مَن هُم بِمنزِلَةِ الرِيح لـآ يَأكُلونَ ولـآ يَشرَبُون ولـآ يَتولَدُون .
والجَآن هُم المَخلُوقُون مِن نَآرِ السَموم , والمَلـآئِكَةُ هُم المَخلُوقُون مِن النّور .
والمَلـآئِكةُ تَختَلفُ عَن الجِن , فَهُم مَخلُوقُونَ مِن النّور , وقآدِرونَ عَلى التَمثُل والتَشكُل
بأيّةِ صُورَة بأمرٍ مِن الله حَيثُ قآلَ سُبحآنَه : [ فَأرسَلنَآ إليهَآ رُوحَنآ فَتمثَل لَهآ بَشرًا سَويّآ ]
وقَد ثَبتَ فِي الصَحِيحَينِ عَن عُمرَ رضَي اللهُ عَنهُ انّه قَآل : بَينَمآ نَحنُ جُلوسٌ عِندَ رَسولِ الله ,
إذ طَلعَ عَلينَآ رَجُلٌ شَديدُ بَيآضِ الثَوب , شَديد سَوآدِ الشَعر , لـآ يُرَى عَليهِ اثرُ السَفر , ولـآ يَعرِفُه مِنّآ اَحَد ,
حَتى جَلسَ إلى النّبِي صَلى اللهُ عَليه وآلِه وسَلم فأسنَد رُكبتَه إلى رُكبَتَيه , ووضعَ كَفيهِ عَلى فَخِذَيه ,
وقَآل : يآ مُحمّد اخبِرنِي عَنِ الـإسلـآم فَقآلَ لَه : الـإسلـآمُ أن تَشهَد ان لـآ إلهَ إلـآ اللهَ وأنّ مُحمّد رَسول الله , وتُقِيم
الصَلـآة وتُؤتِي الزَكآة , وتَصومَ رَمضآن , وتَحج البَيت إن استَطعَتَ إليه سَبيلـآ , قَآل : صَدقت , فَعجِبنآ لَه يَسأله ويُصدِقه ,
قَآل : أخبِرنِي عَنِ الـإيمآن , قَآل : أن تُؤمِن باللهِ ومَلـآئِكتَه وكُتُبِه ورُسلِه واليَومِ الـآخَر , وتُؤمِن بالقَدَر خَيرِه وشَره . قَآل :
صَدقت , قَآل : فأخبِرنِي عَنِ الـإحسآن , قَآل : أن تَعبُد اللهَ كأنّك تَرآه , فإن لَم تَكُن تَرآهُ فإنّه يَرآك . قَآل : فأخبِرنِي
عَن السآعَة , قَآل : مَآ المَسؤول عَنهآ بِأعلَم مِن السَآئِل . قآل : فأخبِرنِي عَن أمآرآتِهآ , قَآل : ان تَلِد الـأمَة ربتَهآ ,
وأن تَرى الحُفآة العُرآة العآلة رُعآء الشَآء يَتطآولُونَ فِي البُنيآن , ثُم انطَلقَ فَلبثَ مَليًا , ثُم قَآل : يآ عُمر , أتدرِي مَن
السآئِل ؟ قُلت : اللهُ ورَسُولُه اعلَم , قَآل : إنّه جِبرِيل أتآكُم يُعلمُكم دِينكُم . رَوآهُ مُسلِم .
ولـآ يُوصفُونَ بِذُكورَةٍ ولـآ انُوثَه , وانّهم مَأمُورُون بالعِبآدَةِ والطآعَة [ لـآ يَعصُونَ اللهَ مَآ امَرهُم
ويَفعَلونَ مآ يُأمَرُون ] , وانّهم لـآ يَتنآسَلونَ ولـآ يَتنآكحُون ولهُم قُدرآتٌ خآرِقَه . وامّآ الجِن : فَهُم المَخلُقُون
مِن مَآرِجٍ مِن نَآر , وانّهم قآدِرونَ عَلى التَشكُل بأيّةِ صُورَةٍ أرآدُوآ فَقد اجتَمعُوآ بِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ
عَليَهِ وآلِه وسَلَم فِي صُورَةِ نَفرٍ مِن الرِجآل , وسَمِعُوآ القُرآن ورَجعُوآ إلى قَومِهم مُنذِرِين كَمآ قَآلَ تَعآلَى
[ وإذ صَرفنآ إليَك نَفرًا مِن الجِن يَستَمِعُونَ القُرآن ] فَهُم يُشبِهُون المَلـآئِكَة فِي قُدرَةِ التمثُل والتَشكُل بأي
صَورةٍ شَآؤآ بإذنِ الله , ولكنّهم يَختَلفُونَ عَن المَلـآئِكَة فِي انّهم تَحكُم عَليهُم الصُورَة بَينمآ المَلـآئِكةُ لـآ تَحكُم ,
بِمعَنى ان الجِنّي لَو تَصورَ وتَشكَل فِي صُورَةِ إنسآن أو طَير , وصَوب انسَآن سَهمًا أو مَآ شَآبَه نَحوه فإنّ الجِنّي
يَمُوت كَمآ لَو كَآن انسآنٌ هُو مَن صُوب تِجآهُه , امّآ المَلكَ فَلـآ يُمسُ بإذَى ولـآ يُقتَل إن تَشكَل بِصورَةِ إنسآنِ أو غَيرِه .
والجَآنُ يتَنآسَلونَ ولَهُم ذُريّة حَيثُ قَآلَ تَعآلَى :
[ أفتَتخِذونَه وذُريتَه أولِيآءَ مِن دُونِي وهَم لَكُم عَدو بِئسَ للظآلِمينَ بَدلـآ ] , وفِيهِم الذَكرُ والـأنثَى ,
وهُم مُكلِفُونَ كالبَشَر , ففِيهِم المُؤمِنُ والكآفِر . ويظهَرُ مِن خِلـآلِ مآ ذُكِر بأنّ
هُنآكَ تَفآوتٌ وآضِح بَين المَلـآئِكةِ والجِن فِي اصلِ الجِبلةِ والخِلقَه .
المفضلات