كانت الساعه تشير إلى الرابعة فجراً عندما أتت تلك الطرقات سريعة ومتلاحقة كحبات البرد الساقط على أرض صلبة ..

لم ألقِ بالاُ للطرقات المتزايدة التي فضت بكارة الصمت حولي كما هي عادتي عندما أكتبها لا أشعر بشئ
وكأنني خارج الزمان والمكان ..

لم تكن تلك هي رسالتي الأولى لها ، فقدت أعتدت الكتابة لها يومياً دون ردٍ منها ..
أزدادت الطرقات أكثر وأكثر وأزدادت معها زفرات الإستهجان والتعجب والتساؤل من يا ترى يكون الزائر في مثل هذا الوقت ؟!

أنتزعت جسدي من مقعدي إنتزاعاً ، وأمسكت بقلمي وتوجهت نحو الباب بخطوات يسبقها الفضول ..
أدرت مقبض الباب وكانت المفاجأة إنها هي واقفة أمامي ملاك من نار هكذا تراءت عيناها لي أو هكذا بدا شبحها واضحا مع إلتماعة البرق خلفها ،
كانت السماء تمطر بالخارج في تلك الليلة تجمدت يدي على مقبض الباب المفتوح ، وبيدي الاخرى شدت أناملي على قلمي البارد ،
الذي طالما نقل لها مشاعري الحارة ولكنه الآن أصبح خائفاً مرتبكاً فقد حانت لحظة المواجهة ..

لم أكن أعلم عندما ذيلت رسالتي الأخيرة بعنواني أنها سوف تأتي بهذه السرعة
لا أعرف كم من الوقت ضللت محدقاً بها دون أن تنبس شفتاي بأي كلمة حتى أتاني صوتها حالماً يحمل بين خلجاته عذوبة الدنيا بأكملها ،
وبسؤال اقرب الى التعجب هل أنت عاشقي المجهول ؟
أجبت : نعم .
قالت : لدي شئ لك وقبل أن أتسائل ماهو دفعت بيدها الباب لتنزلق يدي الممسكة بالمقبض ومن ثم مدت لي بكيس ملئ بالرسائل وأردفت قائلة :
هذه رسائلك لم يعد لها متسع في خزانتي ،
وقبل أن ابدي أي اعتراض أشاحت بوجهها عني هامة بالرحيل
فأمتدت يدي الممسكة بالقلم على كتفها كي تستوقفها وقلت بصوت خنقته العبرة : إلى أين ؟
فنظرت إلى يدي المعلقة على كتفها وأزاحتها بهدوء ليسقط منها القلم على الأرض لتلتقطه يدها وأخرجت قلماً آخر ومدته نحوي قائلة :
وهذا ايضاً لك .
ثم لاحت منها إبتسامة خبيثة وبذات الهدوء أدارت ظهرها لي لتذوب بين قطرات المطر ويبتلعها الظلام دون تلتفت لذاك الواقف وراءها ..
لا اعلم لماذا بدت تلك اللحظات وكأنها دهر ..
اقفلت الباب خلفي ونظرت إلى رسائلي التي لم تفتحها وقلمها الذي اعطتنيه وعدت إلى طاولتي أجر أذيال الخيبة ..
أمسكت بقلمها وبدأت أكمل رسالتي الأخيرة لها وكأن شيئاً لم يكن ..
وماهي الا لحظات حتى توقفت عن الكتابة ، نهضت من مقعدي وأحذت معطفي وخرجت على غير هدى تاركاً خلفي قلمها مغروزاً في صدر الباب
"فقد كان قلماً لا يكتب" ..



منقول,,,,,,,