• دخول الاعضاء

    صفحة 42 من 42 الأولىالأولى ... 32404142
    النتائج 616 إلى 625 من 625

    الموضوع: نزار قبانى

    1. #616
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      ففيهِ قصائدُ مطليّةٌ بالذَهَبْ

      وفيه نُصُوصٌ مُطَعَّمةٌ بخيوط القَصَبْ.

      وفيهِ مجالسُ شِعْرٍ

      وفيه جداولُ خمرٍ

      وفيه غناءٌ

      وفيهِ طَرَبْ.

      يَدَاكِ سريرٌ من الريشِ..

      أغْفُو عليهِ،

      إذا ما اعتراني التَعَبْ

      يَدَاكِ..

      هُمَا الشِعْرُ، شكلاً ومَعْنَىً

      ولولا يداكِ..

      لما كانَ شِعْرٌ

      ولا كانَ نَثْرٌ

      ولا كانَ شيءٌ يُسمَّى أَدَبْ.

      2

      كتابٌ صغيرٌ.. صغيرْ..

      فمنه تعلَّمتُ،

      كيفَ النُحَاسُ الدمشقيُّ يُطْرَقُ

      كيفَ تُحاكُ خُيُوطُ الحريرْ.

      ومنه تَعَلَّمتُ،

      كيف الأصابعُ تكتُبُ شِعْراً

      وأنَّ حُقُولاً من القطنِ

      يمكنُها أن تطيرْ..

      3

      كتابُ يديكِ، كتابٌ ثمينْ

      يُذكّرني بكتاب (الأغاني)،

      و (مجنونِ إلْزا)،

      وبابلو نيرُودا،

      ومَنْ أشعلوا في الكواكبِ

      نارَ الحنينْ..

      كتابُ يَدَيْكِ..

      يُشابِهُ أزهارَ أمي

      فأوَّلُ سَطْرٍ من الياسمينْ.

      وآخرُ سَطرٍ من الياسَمينْ.

      يّدّاكِ..

      كتابُ التصوُّفِ، والكَشْفِ،

      والرقْصِ في حلقاتِ الدراويشِ

      والحالمينْ..

      إذا ما جلستُ لأقرأ فيهِ

      أُصَلِّي على سّيِّدِ المُرْسَلينْْ...

      4

      كتابُ يديكِ

      طريقٌ إلى اللهِ،

      يمشي عليه الألوفُ من المؤمنينْ

      وبرقٌ يُضيءُ السَمَاءَ

      كتابُ يَدَيكِ، كتابُ أُصُولٍ

      وفِقْهٍ.. ودينْ

      تخرَّجْتُ منهُ إمَامَاً

      وعُمْري ثلاثُ سنينْ...

      5

      كِتابُ يَدَيكِ

      يوزِّعُ خُبْزَ الثقافةِ كلَّ نهارٍ

      على الجائعينْ..

      ويُعطي دُروسَ المحبَّة للعاشقينْ

      ويلْمَعُ كالنجم، في عُتْمة الضائعينْ

      وكنتُ أنا ضائعاً، مثلَ غيري

      فأدركتُ نُورَ اليقينْ.

      حديثُ يديكِ،

      خلالَ العَشَاءْ

      يُغيّرُ طَعْمَ النبيذِ،

      وشَكْلَ الأواني.

      أحاولُ فَهْمَ حوارِ يَدَيْكِ

      ولا زلتُ أبحثُ عمَّا وراءَ المعاني

      فإصبَعَةٌ تستثيرُ خيالي

      وأُخْرَى تُزَلْزِلُ كُلَّ كياني.

      حَمَامٌ

      فمن أينَ هذا الحَمَامُ أتاني؟

      و (موزارتُ) يصحُو.. ويرقُدُ

      فوقَ مفاتيح هذا البِيَانِ

      ويغسِلُني بحليبِ النُجُومِ

      وينقُلُني من حدود المَكَانِ.

      7

      لماذا أَُضِيعُ

      أمامَ يديكِ اتِّزاني؟

      إذا ما لعبتِ بزَرِّ قميصي

      تحوّلْتُ فوراً،

      إلى غيمةٍ من دُخَانِ...

      فمن أينَ هذا الحَمَامُ أتاني؟

      و (موزارتُ) يصحُو.. ويرقُدُ

      فوقَ مفاتيح هذا البِيَانِ

      ويغسِلُني بحليبِ النُجُومِ

      وينقُلُني من حدود المَكَانِ.

      7

      لماذا أَُضِيعُ

      أمامَ يديكِ اتِّزاني؟

      إذا ما لعبتِ بزَرِّ قميصي

      تحوّلْتُ فوراً،

      إلى غيمةٍ من دُخَانِ...
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    2. #617
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      ألا تجلسينَ قليلاً

      ألا تجلسين؟

      فإن القضية أكبرَ منكِ.. وأكبرَ مني..

      كما تعلمين..

      وما كان بيني وبينكِ..

      لم يكُ نقشاً على وجه ماء

      ولكنه كان شيئاً كبيراً كبيراً..

      كهذي السماء

      فكيف بلحظةِ ضعفٍ

      نريد اغتيالَ السماء؟..

      ألا تجلسين لخمس دقائقَ أخرى؟

      ففي القلب شيءٌ كثير..

      وحزنٌ كثيرٌ..

      وليس من السهل قتلُ العواطف في لحظات

      وإلقاءُ حبكِ في سلةِ المهملات..

      فإن تراثاً من الحبِ.. والشعرِ.. والحزن..

      والخبز.. والملحِ.. والتبغ.. والذكريات

      يحاصرنا من جميع الجهات

      فليتكِ تفتكرينَ قليلاً بما تفعلين

      فإن القضيةَ..

      أكبرُ منكِ.. وأكبرُ مني..

      كما تعلمين..

      ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجاً

      لما نحن فيهِ..

      وأن الحمامةَ ليست طريقَ اليقين

      وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينكِ..

      ليست تموتُ بتلك السهوله

      وأن المشاعرَ لا تتبدلُ مثل الثياب الجميلهْ..

      أنا لا أحاولُ تغييرَ رأيكِ..

      إن القرارَ قرارُكِ طبعاً..

      ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلبِ،

      ذاتَ الشمالِ ، وذات اليمين..

      فكيف نفكُّ حصارَ العصافير، والبحرِ،

      والصيفِ، والياسمينْ..

      وكيف نقصُّ بثانيتين؟

      شريطاً غزلناه في عشرات السنين..

      - سأسكب كأساً لنفسي..

      - وأنتِ؟

      تذكرتُ أنكِ لا تشربين..

      أنا لست ضد رحيلكِ.. لكن..

      أفكر أن السماء ملبدةٌ بالغيوم..

      وأخشى عليكِ سقوطَ المطر

      فماذا يضيركِ لو تجلسين؟

      لحين انقطاع المطرْ..

      وما يضيركِ؟

      لو تضعينَ قليلاً منَ الكحل فوق جفونكِ..

      أنتِ بكيتِ كثيراً..

      ومازال وجهكِ رغم اختلاط دموعك بالكحل

      مثلَ القمرْ..

      أنا لست ضدّ رحيلكِ..

      لكنْ..

      لديَّ اقتراح بأن نقرأ الآن شيئاً من الشعرِ.

      علَّ قليلاً من الشعرِ يكسرُ هذا الضجرْ..

      ... تقولينَ إنكِ لا تعجبين بشعري!!

      سأقبل هذا التحدي الجديدْ..

      بكل برودٍ.. وكل صفاء

      وأذكرُ..

      كم كنتِ تحتفلينَ بشعري..

      وتحتضنينَ حروفي صباحَ مساءْ..

      وأضحكُ..

      من نزواتِ النساء..

      فليتكِ سيدتي تجلسين

      فإن القضية أكبر منكِ .. وأكبرُ مني..

      كما تعلمين..

      أما زلتِ غضبى؟

      إذن سامحيني..

      فأنتِ حبيبةُ قلبي على أي حال..

      سأفرضً أني تصرفتُ مثل جميع الرجال

      ببعض الخشونهْ..

      وبعض الغرورْ..

      فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسورْ؟

      وإحراقِ كل الشجر..

      أنا لا أحاول ردَّ القضاء وردَّ القدر..

      ولكنني أشعر الآنَ..

      أن اقتلاعكِ من عَصَب القلب صعبٌ..

      وإعدام حبكِ صعبٌ..

      وعشقكِ صعبٌ

      وكرهكِ صعبٌ..

      وقتلكِ حلمٌ بعيد المنالْ..

      فلا تعلني الحربَ..

      إن الجميلاتِ لا تحترفن القتالْ..

      ولا تطلقي النارَ ذات اليمين،

      وذاتَ الشمال..

      ففي آخر الأمرِ..

      لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..

      لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    3. #618
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      لم أتأكد بعدُ، يا سيدتي، من أنت..

      هل أنتِ أنثايَ التي انتظرتها؟

      أم دمية قتلتُ فيها الوقت

      لم أتأكد بعدُ، يا سيدتي

      فأنت في فكري إذا فكرت..

      وأنت في دفاتري الزرقاء..

      إن كتبت..

      وأنت في حقيبتي..

      إذا أنا سافرت

      وأنتِ في تأشيرة الدخولِ،

      في ابتسامة المضيفة الخضراءِ،

      في الغيم الذي يلتفُّ كالذراع..

      حولَ الطائرة

      وأنت في المطاعمِ التي تقدم النبيذَ،

      والجبنَ بباريسَ، وفي أقبية المترو التي

      يفوحُ منها الحبُّ، و (الغولوَاز)..

      في أشعار (فرلين) التي تباعُ

      عند الضفة اليسرى من (السينِ)

      وفي أشعار (بودليرَ) التي تدخلُ

      مثل خنجرٍ مفضضٍ.. في الخاصرة..

      وأنت في لندن، تلبسينني

      ككنزةٍ صوفيةٍ عليك إن بردت

      وأنتِ في مدريدَ،

      في استوكهولمَ،

      في هونكونغَ،

      عند سدِّ الصينٍ،

      ألقاكِ أمامي حيثما التفتّ..

      في مطعم الفندق، في مشربهِ..

      أراكِ في كأسي إذا شربت

      أراكِ في حزني إذا حزنت

      أريد أن أعرف يا سيدتي

      هل هذه علامة بأنني أحببت؟
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    4. #619
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      اليوميات

      (2)

      أنا أنثى ..

      أنا أنثى

      نهار أتيت للدنيا

      وجدتُ قرار إعدامي ..

      ولم أرَ بابَ محكمتي

      ولم أرَ وجهَ حُكّامي
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    5. #620
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      1

      حَدَثٌ تاريخيٌّ من أحداث الكون،

      وعُرسٌ للأزهارِ وللأعشابْ.

      وحْيٌ ينزِلُ.. أو لا ينزِلُ..

      طِفْلٌ يُولَدُ.. أو لا يُولَدُ..

      بَرْقٌ يَلْمَعُ.. أو لا يَلْمَعُ..

      قَمَرٌ يطلعُ أو لا يطلعُ..

      من بين الأهدابْ.

      2

      نصٌ مِسْماريٌ،

      فِينيقيٌ،

      سِرْيانيٌ،

      فِرْعونيٌ،

      هِنْدوكيٌ،

      نَصٌ لم يُكتَبْ في أيِّ كِتَابْ.

      3

      حُبُّكِ..

      وقْتٌ بين السّلْمِ، وبين الحَرْبِ

      أسْوأُ من حَرْبِ الأعصابْ.

      حُبُّكِ.. سردابٌ سِحْريٌّ

      فيه ملايينُ الأبوابْ.

      فإذا ما أفْتَحُ باباً..

      يُغْلَقُ بابْ..

      يهطُلُ من شفتيَّ الشَهْدُ،

      وإذا غَازَلتُكِ يوماً، يا سَيِّدتي

      يقتُلُني الأَعرابْ...

      5

      حُبُّكِ.. يطرحُ ألفَ سؤالٍ

      ليس لها في الشِعْرِ.. جَوَابْ.
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    6. #621
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      برغْمِ ما يثورُ في عينيَّ من زوابعٍ

      ورغْمِ ما ينامُ في عينيْكِ من أحزانْ

      برغْمِ عَصرٍ،

      يُطْلِقُ النارَ على الجمالِ، حيثُ كانْ..

      والعَدْلِ، حيثُ كانْ..

      والرَأْيِ حيثُ كانْ

      أقولُ: لا غالبَ إلاّ الحُبّْ

      أقولُ: لا غالبَ إلاّ الحُبّْ

      للمرَّةِ المليونِ..

      لا غالبَ إلاّ الحُبّْ

      فلا يُغَطِّينا من اليَبَاسِ،

      إلاَّ شَجَرُ الحَنَانْ..

      برَغْم هذا الزَمَنِ الخَرَابْْ

      ويقتُلُ الكُتَّابْ...

      ويُطْلِقُ النارَ على الحَمَامِ.. والورودِ..

      والأعْشَابْ..

      ويدفُنُ القصائدَ العصماءَ..

      في مقبرة الكلابْ..

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ

      للمرّةِ المليونِ،

      لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ

      ولَنْ تموتَ الكِلْمَةُ الجميلَهْ

      بأيِّ سيفٍ كانْ...

      وأيِّ سجْنٍ كانْ.

      وأيِّ عَصْرٍ كانْ...

      3

      بالرَغْم ممَّنْ حاصروا عينيْكِ..

      وأحْرَقُوا الخُضْرَةَ والأشجَارْ

      أقولُ: لا غالبَ إلا الوردُ..

      يا حبيبتي.

      والماءُ، والأزْهارْ.

      برَغْم كُلِّ الجَدْب في أرواحِنا

      ونَدْرَةِ الغُيُومِ والأمطارْ

      ورغْمِ كُلِّ الليل في أحداقنا

      لا بُدَّ أن ينتصرَ النهارْ...

      4

      في زَمَنٍ تَحوَّلّ القلبُ بهِ

      إلى إناءٍ من خَشَبْ..

      وأصبحَ الشِعْرُ بهِ،

      في زَمَنِ اللاّعشْقِ.. واللاّحُلْمِ.. واللاّبحرِ..

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..

      للمرَّةِ المليونِ،

      لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..

      وبَعْدَ عصْرِ النَفْطِ، والمَازُوتْ

      لا بُدَّ أن ينتصرَ الذَهَبْ...

      5

      برَغْمِ هذا الزَمَنِ الغارقِ في الشُذُوذِ.

      والحَشِيشِ..

      والإدْمَانْ..

      برَغْم عَصْرٍ يكرهُ التمثالَ، واللوحةَ،

      والعُطُورَ..

      برَغْمِ هذا الزَمَنِ الهاربِ..

      إلى عبادةِ الشَيْطَانْ..

      برغمِ مَنْ قد سَرَقُوا أعمارنا

      وانْتَشلُوا من جيبنا الأوطانْ

      برَغْم ألفِ مُخْبِرٍ مُحْتَرِفٍ

      صمَّمَهُ مهندسُ البيت مع الجُدرانْ

      برغم آلاف التقارير التي

      يكتُبها الجُرذانُ للجُرْذَانْ

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشًَّعبْ

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشَّعبْ

      للمرّةِ المليونِ،

      لا غالبَ إلاّ الشّعبْ.

      فَهْوَ الذي يُقدِّرُ الأقدارْ

      وهو العليمُ، الواحدُ، القهَّارْ...

      برغم آلاف التقارير التي

      يكتُبها الجُرذانُ للجُرْذَانْ

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشًَّعبْ

      أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشَّعبْ

      للمرّةِ المليونِ،

      لا غالبَ إلاّ الشّعبْ.

      فَهْوَ الذي يُقدِّرُ الأقدارْ

      وهو العليمُ، الواحدُ، القهَّارْ...
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    7. #622
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      كسمكةٍ اخترقها رمحْ

      جاءني هاتفٌ من دمشقَ يقولْ:

      "أُمُّكَ ماتتْ".

      لم أستوعب الكلمات في البدايَهْ

      لم أستوعب كيف يمكن أن يموت السَمَكُ كلُّهُ

      في وقتٍ واحدْ..

      كانت هناك مدينة حبيبة تموتْ.. إسمها بيروت

      وكانت هناك أمٌّ مدهشة تموتْ.. إسمها فائزة..

      وكان قدري أن أخرجَ من موتٍ..

      لأدخل في موت آخرْ..

      كان قدري أن أسافرَ بين موتينْ...

      2

      دمشق، بيروت، القاهرة، بغداد، الخرطوم،

      الكويت، الجزائر، أبو ظبي وأخواتها..

      هذه هي شجرة عائلتي..

      كلُّ هذه المدائن أنزلَتْني من رَحِمِها

      وأرضعتْني من ثديها..

      وملأت جيوبي عنباً، وتيناً، وبرقوقاً..

      كلُّها هزَّتْ لي نخلَها.. فأكَلْلتْ..

      وفَتَحتْ سماواتها لي.. كراسةً زرقاءْ..

      فكتبْتْ..

      لذلكَ، لا أدخلُ مدينةً عربيةً.. إلا وتناديني:

      "يا وَلَدي"...

      لا أطرُقُ بابَ مدينةٍ عربية..

      إلا وأجدُ سريرَ طفولتي بانتظاري..

      لا تنزفُ مدينةٌ عربيةٌ إلا وأنزفُ معها...

      فهل كان مصادفةً أن تموتَ بيروتْ..

      وتموتَ أمّي في وقتٍ واحدْ؟...

      3

      يعرفونها في دمشق باسم ( أمُّ المعتز).

      وبالرغم من أن اسمها غير مذكور في الدليل السياحيّ

      وأهمّيتُها التاريخيةُ لا تقلُّّ عن أهميّة (قصر العظم)

      ومزار (محي الدين بن عربي).

      وعندما تصلُ إلى دمشقْ..

      فلا ضرورةَ أن تسأل شرطيّ السير عن بيتها..

      لأن كلَّ الياسمين الدمشقيّ يُهَرْهِرُ فوق شُرفتِها،

      وكلَّ الفُلّ البلدي يتربى في الدلال بين يديها..

      وكلَّ القطط ذاتِ الأصل التركيّ..

      تأكل.. وتشرب.. وتدعو ضيوفها.. وتعقد

      اجتماعاتها..

      في بيت أمّي..

      4

      نسيتُ أن أقول لكم، إن بيت أمي كان معقلاً للحركة الوطنية في الشام عام 1935. وفي باحة دارنا الفسيحة كان يلتقي قادة الحركة الوطنية السورية بالجماهير. ومنها كانت تنطلق المسيرات والتظاهرات ضد الانتداب الفرنسي..

      وبعد كلّ اجتماع شعبي، كانت أمي تُحصي عدد ضحاياها من أصص الزرع التي تحطّمت.. والشتول النادرة التي انقصفتْ... وأعوادِ الزنبق التي انكسرتْ..

      وعندما كانت تذهب إلى أبي شاكيةً له خسارتها الفادحة، كان يقول لها، رحمه الله، وهو يبتسم:

      (سجّلي أزهاركِ في قائمة شهداء الوطن.. وعَوَضُكِ على الله...)

      5

      لا تذهب إلى الكوكتيلات وهي تلفُّ ابتسامتها بورقة سولوفان..

      لا تقطع كعكة عيد ميلادها تحت أضواء الكاميرات...

      لا تشتري ملابسها من لندن وباريس، وترسل تعميماً بذلك إلى من يهمه الأمر..

      لا توزِّع صورها كطوابع البريد على محرّرات الصفحات الاجتماعية...

      ولم يسبق لها أن استقبلت مندوبة أي مجلة نسائية، وحدثتها عن حبِّها الأول.. وموعدها الأول.. ورجُلها الأول..

      أمّي تؤمن بربٍ واحد.. وحبيبٍ واحد.. وحُبٍّ واحد..

      قهوةُ أمي مشهورة..

      فهي تطحنها بمطحنتها النحاسيّة فنجاناً.. فنجاناً..

      وتغليها على نار الفحم.. ونار الصبر..

      وتعطّرها بحبّ الهالْ..

      وترشُّ على وجه كل فنجان قطرتين من ماء الزهرْ..

      لذلك تتحوّلُ شرفةُ منزلنا في الصيف..

      إلى محطةٍ تستريحُ فيها العصافيرْ..

      وتشربُ قهوتَها الصباحيَّةْ عندنا..

      7

      ومن كثرة الأزهار، والألوان، والروائح التي

      أحاطت بطفولتي كنتُ أتصوَّر أن أمي.. هي

      موظفة في قسم العطور بالجنّة..

      8

      بموت أمي..

      يسقطُ آخرُ قميص صوفٍ أُغطّي به جَسَدي

      آخرُ قميصِ حنانْ..

      آخرُ مِظلّةِ مَطَرْ..

      وفي الشتاء القادم..

      كلُّ النساءِ اللواتي عرفتُهُنّ

      وَحْدَها أمّي..

      أحَبّتْني وهي سَكْرَى..

      فالحبُّ الحقيقيّ هو أن تسكَرْ..

      ولا تعرف لماذا تسكَرْ..

      كلَّما نسيتُ ورقةً من أوراقي في صحن الدارْ..

      فتحوّلت الألِفُ إلى (امرأة)..

      والباءُ إلى (بنفسجة)

      والدالُ إلى (دالية)

      والراء إلى (رمَّانة)

      والسين إلى (سوسنة) أو (سمكة) أو (سُنُونوّة).

      ولهذا يقولون عن قصائدي إنها (مُكَيَّفةُ الهواءْ)..

      ويشترونها من عند بائع الأزهارْ..

      لا من المكتبة...

      11

      كلما سألوها عن شعري، كانت تجيب:

      " ملائكة الأرض والسماء.. ترضى عليه".

      طبعاً.. أمي ليست ناقدة شعر موضوعية..

      ولكنها عاشقة. ولا موضوعية في العشق.

      فيا أمي. يا حبيبتي. يا فائزة..

      قولي للملائكة الذين كلَّفتهم بحراستي خمسين

      عاماً، أن لا يتركوني...

      لأنني أخاف أن أنام وحدي...

      والدالُ إلى (دالية)

      والراء إلى (رمَّانة)

      والسين إلى (سوسنة) أو (سمكة) أو (سُنُونوّة).

      ولهذا يقولون عن قصائدي إنها (مُكَيَّفةُ الهواءْ)..

      ويشترونها من عند بائع الأزهارْ..

      لا من المكتبة...

      11

      كلما سألوها عن شعري، كانت تجيب:

      " ملائكة الأرض والسماء.. ترضى عليه".

      طبعاً.. أمي ليست ناقدة شعر موضوعية..

      ولكنها عاشقة. ولا موضوعية في العشق.

      فيا أمي. يا حبيبتي. يا فائزة..

      قولي للملائكة الذين كلَّفتهم بحراستي خمسين

      عاماً، أن لا يتركوني...

      لأنني أخاف أن أنام وحدي...
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    8. #623
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      1

      فالدمُ الذي كنتُ أحسبُ أنه لا يصبح ماءً..

      أصبح ماءً..

      والسماءُ التي كنتُ أعتقد أن زُجَاجَها الأزرقْ

      غيرَ قابلٍ للكسر.. إنكسرتْ..

      والشمسُ ..

      التي كنتُ أعلِّقها كالحَلَق الإسبانيّ

      في أُذُنيكِ..

      وقعتْ مني على الأرض.. وتهشَّمتْ..

      والكلماتُ..

      التي كنتُ أغطّيكِ بها عندما تنامينْ..

      هربت كالعصافير الخائفهْ..

      وتركتكِ عاريهْ...

      2

      بين نهديكِ..

      أو لمضاجعتكْ..

      لم أعد متحمّساً للهجوم على أيِّ شيءْ..

      أو للدفاع عن أيِّ شيءْ..

      فقد شقطنا في الزَمَن الدائريّْ...

      حيثُ المسافةُ بين يدي وخاصرتكِ..

      لا تتغيّرْ...

      وبين أنفي ومسامات جلدكِ..

      لا تتغيّرْ..

      وبين زنزانةِ فَخْذَيْك..

      وساحةِ إعدامي..

      لا تتغيّرْ...

      3

      أستأذنكِ..

      بالخروج من هذا الزمن الضيِّقْ..

      والعواطفِ الجاهزةِ كإفطار الصباحْ

      ككمبيالية مستحقّةِ الدفْعْ...

      4

      أستأذنكِ..

      بأخذ إجازة طويلةٍ.. طويلهْ..

      فلقد تعبتُ..

      من حالة اللاشوق.. واللاحُبّ.. التي أنا فيها..

      التي صارتْ عواطفي مربّعة كجدرانِها..

      5

      أريد أن أتظاهرَ ضدَّ حبّك الفاشيستيّْ

      وأطلقَ الرصاصَ..

      على قصركِ..

      وحَرَسِكِ..

      وعَرَبَتكِ البُورجوازيةِ الخيولْ..

      أريدُ.. أن أحتجَّ على سلطتكِ السرمديَّهْ..

      الذي سميتِ به نفسكِ..

      أريدُ أن أطلقَ الرصاصْ..

      على صورتك الزيتيّةِ..

      المعلَّقَةِ في صالة العرشْ..

      وعلى كلِّ الشعراءِ،

      والنبلاءِ،

      والسفراءْ..

      الذين يدفعونَ لِعينيكِ الجزيَهْ..

      ويسقونَ نهديكِ..

      حليبَ العصافيرْ...

      6

      أريدُ أن أطلق الرصاصْ..

      على ملابسكِ المسرحيَّهْ..

      وعلى عُدّة الشغل التي تستعملينها في التشخيصْ..

      على الأخضر.. والليكليّْ..

      على الأزرق.. والبرتقاليّْ..

      على عشراتِ القوارير التي جمعت فيها فصائلَ دمي..

      على غابة الخواتم والأساورْ..

      التي استعملتِها لابتزازي...

      المصنوعة من جلد التمساحْ..

      على دبابيس الشَعْر..

      ومباردِ الأظافرْ...

      والسلاسل المعدنيَّهْ..

      التي لجأتِ إليها..

      لأخْذ اعترافاتي...

      7

      أريدُ أن أطلقَ الرصاصْ..

      على صوتكِ المتسلِّل عَبْر أسلاك الهاتفْ

      فلم أعدْ مهتماً بهواية جَمْع العصافيرْ...

      أريد أن أطلق الرصاصْ..

      على حروف اسمك..

      فلم أعد مهتماً..

      بهواية جمع الأحجار النادرَهْ..

      أريد أن أطلقَ الرصاصْ..

      على كلّ قصائدي.. التي كتبتُها لكِ..

      وعلى كلّ الإهداءاتِ الهيستيريّه..

      في ساعات الحُبّ الشديدْ..

      في ساعات الغباء الشديدْ..

      8

      أريدُ أن أذهب إلى البحرْ..

      حيث الشواطئ مفتوحةٌ ككتابٍ أزرقْ

      ففمي.. أصبح كغابة الفِطْر..

      من قلَّة الشمسْ..

      وعواطفي أصبحتْ كالمخطوطات القديمَهْ..

      من قلّة الزائرينْ..

      وقلّة القراءةْ...

      9

      أريدُ..

      أن أكسرَ دائرةَ الطباشيرْ..

      وأنهي هذه الرحلة اليوميَّه..

      بين شفتكِ العليا.. وشفتكِ السفْلى..

      بين جسدك البارد كمدن النحاس

      10

      أريدُ أن أحتجَّ على شيء ما...

      أن أصطدمَ بشيءٍ ما..

      أن أنتحرَ من أجل شيءٍ ما..

      فلم يعُدْ عندي ما أفعلُهْ..

      سوى أن ألعب الورقَ مع ضَجَري

      هو يخسرُ.. وأنا أخْسَر..

      هو يخبرني أنكِ كنتِ حبيبَهُ..

      هو يعطيني مسدّسَهُ لأنتحرْ..

      وأنا أطلعُهُ على مكاتيبك القديمَهْ..

      فيقتُل نفسَهُ...

      ويقتلُني...

      11

      أستأذن في أن أقتلكِ..

      إنني أعرف أن كلَّ غمائم السماءْ..

      وكلَّ الحمائم ستفرش ريشها الأبيض.. تحت

      وكلَّ شقائقَ النُعْمانْ..

      ستطلع من حقول جسدكْ..

      ولكنْ برغم هذا..

      سأبقى مصمّماً على قتلكْ..

      لا من أجلي وحدي..

      ولكن من أجل كلِّ الأسرى.. والجرحى.. ومشوَّهي

      الحُبّ..

      ومن أجل كل الذين حكمتِهمْ بالأشغال الشاقّة

      المؤبَّدهْ..

      وفرضتِ عليهم.

      أن ينقلوا الرملَ بملاعق الشاي..

      من نهدكِ الأيمنْ.. إلى نهدكِ الأيسرْ..

      من نهدكِ الأيسر.. إلى نهدكِ الأيمنْ..

      .................................................. ...........

      ولا يزالونَ يشتغلونْ..

      و ... لا ... ي ... ز ... ا ... ل ... و ... ن ...

      ي ... ش ... ت ... غ ... ل ... و ... ن ...

      وكلَّ الحمائم ستفرش ريشها الأبيض.. تحت

      رأسِكْ

      وكلَّ شقائقَ النُعْمانْ..

      ستطلع من حقول جسدكْ..

      ولكنْ برغم هذا..

      سأبقى مصمّماً على قتلكْ..

      لا من أجلي وحدي..

      ولكن من أجل كلِّ الأسرى.. والجرحى.. ومشوَّهي

      الحُبّ..

      ومن أجل كل الذين حكمتِهمْ بالأشغال الشاقّة

      المؤبَّدهْ..

      وفرضتِ عليهم.

      أن ينقلوا الرملَ بملاعق الشاي..

      من نهدكِ الأيمنْ.. إلى نهدكِ الأيسرْ..

      من نهدكِ الأيسر.. إلى نهدكِ الأيمنْ..

      .................................................. ...........

      .................................................. ...........

      ولا يزالونَ يشتغلونْ..

      ولا يزالونَ يشتغلونْ..

      و ... لا ... ي ... ز ... ا ... ل ... و ... ن ...

      ي ... ش ... ت ... غ ... ل ... و ... ن ...
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    9. #624
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      أيتها المرأة التي كانت في سالف الزمان حبيبتي.

      سألتُ عن فندقي القديمْ..

      وعن الكشْكِ الذي كنتُ أشتري منه جرائدي

      وأوراقَ اليانصيب التي لا تربحْ..

      لم أجد الفندقَ.. ولا الكشْكْ..

      وعلمتُ أن الجرائدْ..

      توقّفتْ عن الصدور بعد رحيلكْ..

      كان واضحاً أن المدينة قد انتقلتْ..

      والأرصفةَ قد انتقلتْ..

      والشمسَ قد غيَّرتْ رقم صندوقها البريديّْ

      والنجومَ التي كنّا نستأجرُها في موسم الصيفْ

      أصبحتْ برسم التسليمْ...

      كان واضحاً.. أن الأشجارَ غيَّرتْ عناوينَها..

      والعصافيرَ أخذت أولادها..

      ومجموعةَ الأسطوانات الكلاسيكيّةِ التي تحتفظ بها.

      وهاجرتْ..

      والبحرَ رمى نفسه في البحر.. وماتْ..

      2

      بحثاً عن مظلّةٍ تقيني من الماءْ..

      وأسماءُ الأندية الليليّة التي راقصتُكِ فيها..

      ولكنَّ شرطيَّ السَيْر، سَخِر من بَلاهتي

      وأخبرني... أن المدينةَ التي أبحثُ عنها..

      قد ابتلعَها البحرُ..

      في القرن العاشر قبل الميلادْ...

      3

      ذهبتُ إلى المحطّات التي كنتُ أستقبلكِ فيها...

      وإلى المحطّات.. التي كنت أودّعكِ منها..

      المخصّصةِ للنومْ...

      عشراتٍ من سلال الأزهارْ..

      ولافتةً مطبوعةً بكل اللغاتْ:

      "الرجاء عدم الإزعاج"..

      وفمهتُ أنكِ مسافرةٌ.. بصحبة رجل آخرْ..

      قدَّم لكِ البيتَ الشرعيّْ

      والجنسَ الشرعيّْ

      والموتَ الشرعيّْ...

      4

      أيتها المرأةُ التي كانت في سالف الزمان حبيبتي

      لماذا تضعين الوقتَ في حقائبكِ..

      وتسافرينْْ.؟

      لماذا تأخذينَ معكِ أسماءَ أيام الأسبوعْ؟

      وكرويّةَ الأرضْ..

      كما لا تستوعب السمكةُ خروجها من الماءْ..

      أنتِ مسافرةٌ في دمي..

      وليس من السهل أن أستبدل دمي بدمٍ آخرْ..

      ففصيلةُ دمي نادرةْ..

      كالطيور النادرة..

      والنباتات النادرةْ..

      والمخطوطات النادرةْ..

      وأنتِ المرأةُ الوحيدةُ ..

      التي يمكنُ أن تتبرَّع لي بدمها...

      ولكنكِ دخلتِ عليَّ كسائحهْ..

      وخرجتِ من عندي كسائحهْ...

      كانت كلماتُكِ الباردة..

      تتطايرُ كفتافيت الورق..

      وكانت عواطفكِ..

      كاللؤلؤ الصناعيِّ المستوردة من اليابانْ...

      وكانت بيروت التي اكتشفتها معكِ..

      وأدمنتُها معكِ..

      وعشتُها بالطول والعرض .. معكِ..

      ترمي نفسَها من الطابق العاشر..

      وتنكسرُ .. ألفَ قطعهْ...

      5

      توقَّفي عن النمو في داخلي..

      أيّتها المرأة..

      التي تتناسلُ تحت جلدي كغابهْ...

      ساعديني.. على كسر العادات الصغيرة التي كوَّنتُها معك..

      وعلى اقتلاع رائحتك..

      من قماش الستائرْ..

      وبللورِ المزهريّاتْ..

      على تَذَكُّر اسمي الذي كانوا ينادونني به في المدرسهْ..

      ساعديني..

      على تَذَكّرِِ أشكال قصائدي..

      قبل أن تأخذَ شكلَ جسدِكْ..

      ساعديني..

      على استعادةِ لُغَتي..

      التي فَصَّلتُ مفرداتِها عليكِ..

      ولم تعد صالحةً لسواكِ من النساءْ...

      6

      دُلّيني..

      على كتابٍ واحدٍ لم يكتبوكِ فيهْ..

      وعلى عصفورٍ واحدٍ..

      لم تعلّمهُ أُمُّهُ تهجيةَ اسمكِ..

      وعلى شجرةٍ واحدةٍ..

      لا تعتبركِ من بين أوراقِها..

      وعلى جدولٍ واحدٍ..

      لم يلْحَسِ السُكَّرَ عن أصابع قَدَميْكِ..

      ماذا فعلتِ بنفسكِ؟..

      التي كانتْ تتحكَّمُ بحركة الريحْ..

      وسُقُوطِ المطرْْ..

      وطُولِ سنابل القمْحْ..

      وعددِ أزهار المارغريت..

      أيَّتُها المَلِكةُ...

      التي كان نهداها يصنعان الطقسْ..

      ويسيطرانِ ..

      على حركةِ المدّ والجزْْرْ..

      لتتزوّدَ بالعاج.. والنبيذْ..

      ماذا فعلتِ بنفسكِ..

      أيَّتُها السيّدةُ التي وقع منها صوتُها على الأرض..

      فأصبحَ شَجَرهْ..

      وَوَقَعَ ظلُّها على جَسَدي..

      فأصبحَ نافورةَ ماءْ..

      لماذا هاجرتِ من صدري؟..

      وصرتِ بلا وطنْ..

      لماذا خرجتِ من زَمَنِ الشِّعْْر؟

      واخترتِ الزمنَ الضَيّقْ..

      لماذا كسرتِ زجاجةَ الحبرِ الأخضرْ..

      التي كنتُ أرسمُكِ بها..

      وصرتِ امرأة..

      بالأبيض..

      والأسودْ..

      أيَّتُها السيّدةُ التي وقع منها صوتُها على الأرض..

      فأصبحَ شَجَرهْ..

      وَوَقَعَ ظلُّها على جَسَدي..

      فأصبحَ نافورةَ ماءْ..

      لماذا هاجرتِ من صدري؟..

      وصرتِ بلا وطنْ..

      لماذا خرجتِ من زَمَنِ الشِّعْْر؟

      واخترتِ الزمنَ الضَيّقْ..

      لماذا كسرتِ زجاجةَ الحبرِ الأخضرْ..

      التي كنتُ أرسمُكِ بها..

      وصرتِ امرأة..

      بالأبيض..

      والأسودْ..
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    10. #625
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية محمودى
      تاريخ التسجيل
      Jan 2010
      المشاركات
      19,950
      معدل تقييم المستوى
      99

      افتراضي

      1

      هل تسمحين لي أن أصطافَ كما يصطاف الآخرونْ؟

      وأتمتّع بأيَّام الجَبَلْ..

      كما يتمتَع الآخرونْ..

      الجَبَلُ مروحةُ حريرٍ إسبانيّه..

      وأنتِ مرسومةٌ عليها..

      وعصافيرُ عينيكِ..

      تأتي أفواجاً أفواجاً من جهة البحر..

      كما تطير الكلماتُ من أوراق دفترٍ أزرق...

      هل تسمحينَ لذاكرتي أن تكسرَ حصارَ رائحتكْ؟

      وتشمَّ رائحة الحَبَقِ، والوزَّال، والزعتر البريّْ.

      هل تسمحين لي..

      أن أجلس على الشرفة الصيفية دقيقةً واحدة؟

      دون أن يتسلّق صوتكِ كعريشةٍ زرقاءْ

      على درابزين بيتنا..

      ودونَ أن أجدكِ في قهوتي الصباحيَّهْ؟..

      2

      عند نهديكِ المتغطرسينْ!!.

      أن أنال إجازتي السنويّهْ..

      كان أجْري قليلاً..

      وحظّي قليلاً..

      وراحتايَ مُشَققتَيْن..

      من كثرة الشغل في مناجم الذَهبَْ.

      حتى في أول أيَّارْ..

      ذهبتُ إلى عملي كبقية الأيَّامْ

      وحرستُ نهديكِ النائمين..

      كبقيّة الأيَّامْ..

      وحَمَّمتُهُمَا.. وغطَّيْتُهُمَا..

      وقرأت لهما قصةَ ساندريللا...

      كبقيَة الأيَّامْ...

      حتى القروش القليلة التي ادّخرتُها

      اشتريتُ بها لهما..

      فَطَائرَ اللوز والعَسَلْ..

      ولكنّ نهديكِ..

      - ككلِّ أولاد العائلات الإقطاعيَّهْ-

      إعتبراني مَمْلُوكاً لهما..

      من عهد أوّلِ ملكٍ من مُلُوكِ الأسْرة النَهْديَّهْ..

      وجَلَداني تسعينَ جلدةً على ظهري..

      وتسعينَ جلدةً على صدري..

      حتى أسقطتُ دعوايَ عنهما...

      وعدتُ إلى العمل...

      3

      علَّقتُكِ في خزانة ثيابي في بيروتْ..

      وأخذتُ المفتاحَ معي..

      وخرجتُ على أطراف أصابعي..

      ......................

      ... واليوم .. وأنا أتمشّى على طُرُقاتِ الجبلْ..

      رأيتكِ تتَّكئينَ على سنبلة قمحْ..

      وتتسابقين مع عصفور صباحيّ..

      وتربطين شعركِ بغمامةٍ بُرتُقاليَّهْ..

      ماذا تفعلينَ هنا؟

      ومن أعطاكِ عنواني في الجَبَلْ؟

      أيتها الواحدةُ التي اصطدمت بعشقي..

      فصارتِ امرأهْ..

      واصطدمتُ بطقس نهديْها الإستوائيْينْ..

      فعرفتُ حجمَ رجولتي..

      منحتُكِ البركةَ والتكاثُرْ..

      وجعلتكِ كماء البحر.. واحدةً .. ومتعدِّدَهْ..

      ووضعتُ يدي على بياض فخذيكِ..

      فأصبحتِ قبيلَهْ..

      ماذا تفعلينَ هنا؟

      حتى الغابة..

      تذكِّرني كيف كنتِ تمشِّطينَ شعرَكِ..

      فأبكي..

      حتى القِمّة..

      تذكرني بارتفاع نهديكِ عن سطح البحر..

      فأدوخْْ...

      4

      هل بوسع رجلٍ يُحبُّكِ مثلي..

      أن يصطاف اصطيافاً طبيعياً؟

      هل بوسعي أن أنفصلَ عن المجموعة الشمسيَّهْ

      التي تدور منذ ملايين السنين حول عينيكِ

      لا يخضعُ لسلطانكْ؟

      فأجلس كالمجاذيب على كرسيٍّ هزَّازْ..

      أقرأ القصصَ البوليسيَّهْ..

      وأشرب المياه المعدنيَّهْ..

      وأمتحن ثقافتي بالكلمات المتقاطعَهْ..

      الاصطيافُ زمنٌ مسطَّحْ..

      وأنا مرتبط بزمانكِ رغم كثرة نتوءاته..

      والاصطيافُ فراغٌ.. وأنا ممتلئٌ بكِ..

      والاصطياف تغيير..

      وأنا لا أريد أن أغيّركِ..

      بكنوز الدنيا..

      قولي لي...

      من هو الأبلهُ الذي اخترع كلمةَ الاصطيافْ؟

      فرماكِ كخاتم الذهب على رمال بيروتْ..

      وفرض عليَّ الاقامة الجبريَّة

      تحت شجرة النومْ..

      ربما كان لا يعرف أن الشجرهْ..

      تبقى ألف سنة على رأس الجبَلْ

      في حين أنكِ في اللحظة التي

      تدخلينَ فيها إقليم صدري..

      تصبحينَ شَجَرَهْ..

      وفرض عليَّ الاقامة الجبريَّة

      تحت شجرة النومْ..

      ربما كان لا يعرف أن الشجرهْ..

      تبقى ألف سنة على رأس الجبَلْ

      ولا تصبح امرأة..

      في حين أنكِ في اللحظة التي

      تدخلينَ فيها إقليم صدري..

      تصبحينَ شَجَرَهْ..
      لئن سالتني يارب يوم القيامة عن ذنبي لاسالنك عن رحمتك
      ولئن سالتني يارب عن تقصيري لاسالنك عن عفوك


    صفحة 42 من 42 الأولىالأولى ... 32404142

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. صباحك سكر نزار قباني
      بواسطة عذبه الصفات في المنتدى استراحة المنتدى
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 12-06-2016, 12:03 PM
    2. نزاريــات .. كلمات وخواطر نزار قباني .. رسائلي إليه
      بواسطة العزوف في المنتدى استراحة المنتدى
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 16-04-2011, 09:01 AM
    3. من صنعاء إلى جازان نيوز ، رسالة في غاية الأهمية من نزار العبادي
      بواسطة هيبـة ملڪ في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 20-11-2009, 03:12 AM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com