• دخول الاعضاء

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 1 إلى 15 من 17

    الموضوع: رواية فاطمة

    1. #1
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رواية فاطمة

      الحلقة الأولي

      ***********
      أنها نوبتها الليلية في الرعاية الفائقة, وكما اعتادت في ذلك القسم فإن كل شئ هادئ ليلا, لا صخب ولا أصوات ولا أحداث هامة, الأجهزة تعمل باستقرار والمرضى نائمون .
      صورة مثالية لمستشفي خاص صاحبها ومديرها ذو شخصية خاصة جدا وهيبة فظيعة فالنظام والدقة لديه كل شيء, ومن يتعامل معه يفرض عليه أسلوبه المنظم الصارم فرضا لذلك فالخطأ نادر وكل شيء يدور بدقة آلية
      كان الجو الهادئ في المكان يساعد على الاستذكار لذلك انتهزت ولاء الفرصة واستغرقت في كتابها لكن صوت أنين قادم من قسم الرجال جعلها تنتفض وتجرى نحو الصوت, دخلت الى الغرف لتجد المريض المسن يئن ويقول كلاما غير مفهوم, اقتربت منه ونظرت في شاشات الأجهزة المتصلة بجسمه واطمأنت أن كل شيء بخير, ثم عادت تنظر لوجهه وأخرجت من جيبها ميزان الحرارة الإلكتروني واطمأنت أن حرارته طبيعية, لكنه عاد للأنين والكلام غير الواعي من جديد, ولم تتبين ولاء من كلماته سوى كلمة فاطمة, رددها أكثر من مرة ثم بدأ يعود لهدوئه, نظرت في أوراق علاجه واستعادت مواعيد الدواء والحقن, واطمأنت أن العلاج يسير بانتظام
      عادت إلى مكتب الاستقبال في القسم وبدأت تقرأ في كتابها من جديد, وأخذت تخطط بالقلم كعادتها تحت الكلمات المهمة,لكن صوت الأنين عاد من جديد, زفرت بضيق وأزاحت القلم والكتاب جانبا وزمت شفتيها وهي تفكر, ماذا تفعل الآن؟ وما الذي يمكن أن تقدمه لهذا المريض المسن لتخفف عنه بعض ما يعانيه؟
      عادت إليه من جديد واستعادت ذاكرتها اسمه من الأوراق العلاجية بسرعة, فاقتربت منه وهمست في أذنه: عم محمد, أتريد شيء؟

      لم يسمعها واستمر في الأنين والكلام الغير مفهوم, وعاد اسم فاطمة يتردد من جديد على لسانه وبصورة أوضح
      أخذت تناديه بصوت أعلى قليلا: عم محمد, هل أنت بخير؟ أتحتاج لشيء؟
      فتح عينيه أخيرا ونظر في وجهها فقالت بابتسامة واسعة: حمدا لله على سلامتك
      قال ببطء وبصوت ضعيف: فاطمة , فاطمة
      أدركت ولاء أنه مشوش ولا يدرى بما حوله فكررت بحنان : عم محمد, أترغب بشيء؟ هل تتألم؟
      قال بصوت ضعيف : فاطمة, سامحيه يا بنيتي على كل ما فعله بك, وسامحيني أنا أيضا, لا تتركيه وحيدا في بحر لجي فهو الآن غريق يحتاج لمن ينقذه, مدى يديك إليه, لا تتركيه يغرق
      اخترقت كلماته قلبها فوجدت الدموع تملأ عينيها فقالت بعطف : اهدأ يا عم محمد فاطمة ليست هنا الآن, ستأتي غدا
      بدا أنه لم يسمعها, وأخذ يردد اسم فاطمة حتى أغمض عينيه وغاب في النوم من جديد
      عادت ولاء إلى مكتبها ودموعها تسيل من التأثر, وأمسكت بالقلم والكتاب وهي لا تكاد تتبين الأسطر التي أمامها, وعادت تشرد بعيدا وصدى كلمات الشيخ المسن في أذنيها يتردد وعقلها يتساءل : ما الذي أتى به إلى هنا؟ وما كل هذا الندم الذي يتكلم به؟ ومن هو هذا الغريق؟
      كانت كعادتها كلما هاجمها القلق والتفكير وسيطرت علي مشاعرها فكرة ملحة يتحرك القلم في يدها لا إراديا ويضرب سنه الطاولة بحركة عصبية , وكم من أقلام حطمتها بتلك الحركات اللاإرادية المتوترة, وقد ترسم دوائر فوق بعضها البعض حتى تسود الصفحة من كثرة ما خط عليها القلم
      حاولت قدر جهدها أن تسيطر على أفكارها ومشاعرها فعصرت جفنيها وهزت رأسها بقوة وكأنما تريد أن تلقي من عقلها تلك الفكرة التي سيطرت عليها, وقررت العودة للاستذكار الجاد,
      زفرت بقوة وأمسكت بالكتاب لتفتحه, لكنها فوجئت بالغلاف الخارجي وقد ارتسمت بعرض الكتاب كلمة كبيرة عليه وتحددت وتلونت نتيجة سير القلم فوق حروفها عشرات المرات حتى أصبحت بارزة تماما أمامها, وأدركت ولاء أن عقلها قد استيقظ واستثير ولن يهدأ أو يرتاح قبل أن يعرف قصة ذلك الشيخ المسن كاملة

      فقد كانت الكلمة التي رسمتها على غلاف الكتاب بحركاتها اللاإرادية والتي سيطرت على مشاعرها وأفكارها هى نفس الكلمة التي يرددها الشيخ المسن طوال الليل......

    2. #2
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (2)

      مرت عدة أيام وولاء تترقب اليوم الذي ستنتقل فيه نوبتها إلى قسم الرعاية الفائقة فلا زالت القصة تسيطر على مشاعرها وعقلها ولن تهدأ حتى تعرفها كاملة, لكنها عرفت أن عم محمد قد تحسنت حالته وانتقل إلى غرفة عادية في الدور الأول, واليوم هي سعيدة للغاية, فنوبتها ستكون في نفس الدور الذي انتقل إليه عم محمد

      لكن كانت لديها فكرة أخرى تلح عليها جعلتها تذهب إلى المستشفى بعد أن أنهت دراستها في الجامعة ذلك اليوم بالذات وتنتظر عدة ساعات في المستشفى قبل أن تبدأ موعد نوبتها

      كانت الفكرة التي تلح عليها هي رؤية فاطمة, وتحقق لها ما أرادت بالفعل, فعندما وصلت إلى القسم لتجد زميلتها نجوى تجلس خلف مكتب الاستقبال والتي قالت بدهشة عندما رأتها : ماذا حدث؟ ما الذي أتى بك مبكرا, لازالت هناك ثلاث ساعات قبل انتهاء نوبتي
      قالت ببساطة: أنهيت محاضراتي وليس لدى شيء أفعله فقررت المجيء الآن
      نجوى: يراودني شعور بأن لديكي أسبابا أخرى أتت بك الآن
      قالت ولاء: شيء من هذا القبيل
      أخبريني, كيف حال عم محمد؟
      نجوى : يتحسن بالعلاج
      ثم هتفت : ذكرتيني, انه موعد تناوله العلاج
      هتفت ولاء : انتظري, دعيني أقوم عنك بهذه المهمة
      نجوى بشك : ألم أقل لكي أن ما أتى بك الآن هو شيء نبت في عقلك!
      ولاء : لا تتذاكى كثيرا يا أختاه, كل ما في الأمر أنني أتعاطف معه
      نجوى : أو أن لديه قصة مشوقة تضميها إلى مجموعتك
      ولاء ساخرة : يا للذكاء الخارق, أعطيني العلاج وكفى مضيعة للوقت
      دخلت ولاء غرفة عم محمد بحماس وقالت بود : السلام عليكم, كيف حالك اليوم يا عم محمد؟ عسى أن تكون بخير
      رد بود مماثل : الحمد لله, ولكن أين نجوى
      قالت بابتسامة واسعة : أنا زميلتها ولاء, لقد أوصتني نجوى أن أهتم بك, فأنت بركة المكان
      عم محمد : جزآكم الله خيرا, الحقيقة أن الخدمة هنا ممتازة, والمعاملة فوق الوصف
      كانت ولاء تستمع إليه وعينيها تدوران في المكان, وأصيبت ببعض الإحباط عندما وجدته وحيدا, لكنها قالت ولهجة الود لم تغادر صوتها : دواؤك يا عم محمد بالشفاء والعافية
      انتهى من تناول الدواء وأخذت ولاء تتباطأ في المكان علها ترى من جاءت لرؤيتها, فقامت بقياس نبضه ثم الحرارة, وبعدها ضغط الدم, وبدأ الوقت يطول وتنفذ حيلها ولم تظهر فاطمة بعد
      أخذت أدواتها وهمت بالمغادرة لكنها قالت : أخبرني يا عم محمد, هل كل شئ على ما يرام؟ أهناك شئ يضايقك هنا؟
      قال باسما : الحمد لله, الجميع هنا لم يقصروا, يؤدون واجبهم كأفضل ما يكون
      قالت محاولة إيجاد مبرر لوجودها : ولكني أراك مهموما حزينا, أهناك ما يضايقك؟
      تنهد بأسى : تلك هي الحياة, لا فرح يدوم ولا حزن يدوم
      قالت بتعاطف : عافاك الله وأبعد عنك الأحزان ومتعك بالصحة والعافية
      سأكون هنا طوال الليل إن احتجت لشيء فقط اضرب الجرس
      قال بامتنان : شكرا يا بنيتى
      التفت لتخرج من الباب لكن قبل أن تفتحه فتح من الخارج, لتجد ولاء نفسها أمام سيدة تغطى وجهها بنقاب حيتهما قائلة: السلام عليكم
      ردت ولاء السلام بابتسامة واسعة وأخذت طريقها للخروج
      واتجهت السيدة إلى سرير عم محمد وقالت بلهفة : كيف حالك يا جدي؟
      كانت ولاء تتميز غيظا, فاللتى انتظرتها كل هذا الوقت لم تأتى إلا وهى مغادرة, ولا بد لها أن تغادر قبل أن تلفت إليها الأنظار
      طقت فى رأسها فكرة , وبسرعة وضعتها قيد التنفيذ, ألقت ببعض الأشياء التى فى يدها أرضا كما لو كانت أسقطتها عن دون قصد
      انحنت بسرعة تلملم ما سقط منها وهى تلتفت لهما وتقول بابتسامة بريئة : معذرة
      أخذت تتلكأ وهى تلملم الأشياء التى تبعثرت وعينيها على الرجل والسيدة بعد أن اندمجا فى الحديث ونسيا وجودها
      وجاءت اللحظة التي انتظرتها طويلا, فقد مدت السيدة يدها ورفعت نقابها أخيرا, وتجمدت ولاء للحظات وهى تنظر في وجه السيدة الشابة, لكنها تذكرت أن عليها الرحيل فحملت أشياءها وغادرت الغرفة بسرعة
      انتهى موعد الزيارات بالمستشفى ورأت ولاء السيدة وهى تغادر المستشفى

      لم تكن تدرى ما سر ذلك الشغف الذي سيطر عليها والفضول نحو تلك السيدة وذلك الشيخ, كانت تشعر أن هناك قصة قوية خلف هذا الثنائي
      هدأت المستشفى بعد رحيل الزائرين, وانصراف أغلب العاملين فيها, واستقرار العاملين فى النوبة الليلية في أماكنهم
      وبدأ ذهن ولاء يتجه من جديد إلى حجرة عم محمد, وقررت أن تشفى فضولها بسؤاله
      كان الرجل المسن يرقد في فراشه والمسبحة في يده ولسانه يتمتم بالذكر والدعاء
      وقفت عند الباب مترددة هل تقدم على سؤاله أم أنه سيعتبر فضولها الزائد نوع من التطفل واقتحام لحياة الآخرين؟
      قال الرجل بصوت هادئ : تعالى يا ولاء
      تقدمت منه بعد أن منحها صوته الهادئ بعض الشجاعة
      قال : أهو موعد دوائي؟
      هزت رأسها نفيا, فقال بابتسامة هادئة : إذا, ما الأمر؟
      استجمعت شجاعتها بسرعة وقالت مباشرة : الحقيقة أنك عندما كنت في غرفة الرعاية الفائقة وكنت أنا في نوبتي الليلية هناك, أثار فضولي بقوة أنك كنت تردد اسم فاطمة باستمرار, وتطلب منها أن تسامحك وتسامحه
      شرد الشيخ قليلا وخبت ابتسامته, فترددت ولاء من جديد, ولكنها قالت: أعتذر عن فضولي, الزائد, فهو عادة قبيحة في لا أستطيع التخلص منها
      كل ما أريده أن أعرف ما هي قصة فاطمة ومن هذا الغريق الذي بيدها إنقاذه؟
      قال بدهشة : أبهمك الأمر لهذه الدرجة؟
      قالت بانفعال: أكثر مما تتوقع, فأنا كاتبة قصص, وأحب أن أستفيد من خبرات وتجارب الآخرين, ولا أفضل من شخصيات حقيقية تكون لي إلهاما وحافزا لكتابة قصة جديدة, ولا تقلق, فكل قصصي أكتبها بأسماء غير حقيقية
      قال باسما : ليس هناك ما أخجل منه أو أخفيه يا ابنتي, فكما تقول فاطمة (الأشج هو فقط من يحك رأسه باستمرار)
      خطفت أحد المقاعد الخفيفة وقربته إلى سريره, وجلست بسرعة وعينيها تلمعان بحماس : إذا فلا مانع لديك من أن تحكي لي؟
      قال باسما : لا , لا مانع من أن أحكي لشخصية لطيفة مثلك.....

    3. #3
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة 3
      وبدأ الجد يحكي...

      بدأت القصة من ثلاث سنوات أو أكثر, عندما جاء حفيدي لزيارتي في دار المسنين التي أسكن فيها ليدعوني إلى زفافه, وكانت صدمتي قوية عندما أخبرني أن العروس تغطي وجهها بنقاب
      صرخت في وجهه : لقد جننت تماما, هل أصابك الخبل؟ كيف تتزوج من فتاة لم ترى وجهها؟
      ضحك حفيدي شادي بصوت عالي : يا جدي لو عرفت كيف التقيت بها ستتعجب أكثر
      يا سيدي اعتبره نوعا من التغيير
      قلت وأنا لا أكاد أصدق ما أسمعه: كيف التقيت بها؟
      بدأ يقص على القصة من بدايتها : كنت حائرا لا أدري ما الذي يمكن أن أهديه لصديقتي رودي في عيد ميلادها
      الذهب أهديته إياها في العام الماضي وما سبقه
      كانت لدى رغبة في التغيير هذا العام وإهدائها شيء مميز
      وبعد تفكير طويل ودوران في الشوارع بسيارتي أنا والشلة, قررت أن أشتري لها زوج من عدسات العيون بلون بنفسجي, فأنا أعرف أنها لا تمتلك هذا اللون
      كما أنه لون رائع يليق بها وبجمالها
      دخلت إحدى محلات النظارات التي صادفتها في طريقي أنا والشلة لأفاجأ بسيدة تجلس خلف مكتب صغير في مواجهة باب المحل, لكن ما أثارني بشدة هو أنها كانت تغطي وجهها
      وتعجبت كثيرا, كيف لامرأة تجلس في محل تجاري طوال النهار قد يدخله في اليوم الواحد مائة رجل وتغطي وجهها بهذه الطريقة
      لكنني تجاوزت ذلك وتقدمت منها قائلا: أريد زوج من العدسات من ماركة محترمة بلون بنفسجي فاتح
      نهضت بصمت من خلف المكتب وأحضرت علبتين وهي تقول بجدية هذا النوع فرنسي والآخر أمريكي, اختر ما شئت
      الحقيقة أن العدسات التي أتيت لأجلها لم تكن تشغلني بقدر تأمل تلك المخلوقة العجيبة التي لم تهتم لنا أو حتى تنظر إلينا
      وعلى الرغم من قدر الوسامة والأناقة التي يتمتع بها شباب الشلة, إلا أنني على وجه الخصوص اشتهرت بأنني ساحر النساء في النادي
      قلت وعيني تتأملها بدقة : اممم الحقيقة أن الأمر محير, اختاري لي أنت
      لم ترفع عينيها حتى لتنظر لي وكأنني مخلوق من هواء, وقالت باقتضاب: الفرنسي هو الأفضل
      يبدو أن نظرات الخبث بين أفراد الشلة و البسمات والغمزات قد لفتت انتباهها فقد كان صوتها خشنا أكثر من اللازم وفيه بعض الحدة
      وذلك ما استفزني أكثر فهذا الصوت الخشن الصادر منها ليس طبيعيا بالمرة, كما لو كانت تحاول أن تبدل نفسها أو تضع عليه غطاء كما تضع على وجهها غطاء
      ملت بجسدي واستندت بمرفقي على زجاج طاولة العرض وكأنني لا أريد الرحيل, وقلت محاولا اطالة الموقف قدر ما أستطيع : ولكن أليس النوع الأمريكي أغلى؟
      قالت بخشونة أكبر : لكن الفرنسي هو الأفضل
      قلت محاولا استفزازها : ولكني أرغب بشراء الأمريكي
      قالت منهية الحديث وهى تتناول علبة العدسات الأمريكية وتبدأ بوضعها في غلاف أنيق : كما تريد
      سارعت بالقول: انتظري, أظن أن الفرنسي هو الأنسب, أليس كذلك؟
      قلت العبارة الأخيرة بنبرة مطاطة مما جعلها تتجمد لحظات ثم تشرع في إخراج العلبة الأمريكية من غلافها لتضع الفرنسية مكانها, وكانت تتحرك بعصبية ظاهرة
      ولكنني قلت باستفزاز أكبر : الحقيقة أن الأمر محير, هل آخذ هذه أو تلك؟
      انطلقت ضحكات أفراد الشلة بعد أن كتمت طويلا, وبدأت التعليقات الساخرة الجانبية
      زفرت بغضب ورمت بالعلبتين أمامي على الطاولة الزجاجية وقالت بضيق : عندما تنتهي أخبرني, هذا إن كنت تريد الشراء بالفعل
      ذهبت إلى زبون آخر دخل المحل للتو وبدأت تتحدث إليه
      وتبادلت الشلة نظرات وغمزات, لكن ما غاظني هو شعوري أن نظراتهم الساخرة لم تكن لصالحي, وبدأت أشعر أنني وضعت قسرا في خانة المهزومين, فاندفعت قائلا بصوت عال : وهل من اللائق أن تتركيني وتتحدثي إلى زبون آخر؟
      وهل هناك شك في أنني أريد الشراء؟ وما الذي دفعني للدخول إلى هذا المكان لو لم أرغب بالشراء؟
      قالت بخشونة وبصوت يشوبه بعض السخرية : اسمعني جيدا يا أستاذ, أنا أجلس هنا منذ وقت طويل للغاية وأستطيع التفرقة جيدا بين زبون يرغب بالشراء وبين آخر يريد التسلية وقضاء الوقت
      بدأت الدماء تغلي في عروقي وخاصة أن غمزات ولمزات الشلة بدأت تعلو, والشماتة وضحت في العيون, فقلت بحدة : أنت مخطئة يا...يا آنسة.. آنسة أليس كذلك؟
      قالت بترفع : آنسة أو سيدة, شيء لا يخصك فاذهب إلى حال سبيلك
      كانت الإهانة صريحة هذه المرة وفي الصميم, ولا يمكن أن أتقبل أن أخرج مطرودا بهذه الطريقة فقلت بحدة : أنا زبون وعليكي أن تعامليني باحترام
      ردت بحزم : لا ترفع صوتك هنا
      أما عن الاحترام, فالإنسان المحترم هو من يحترم نفسه أولا
      تفجر الغضب من أعماقي ولم أدري ماذا أقول أو ماذا أفعل؟ والشلة تتفرج على أنا لا هي,
      محقين
      لو كنت مكان أى منهم لوقفت متفرجا مستمتعا بأكبر قدر من الموقف
      أخيرا تدخل تامر وهو يحاول كتمان ضحكاته الخبيثة الساخرة : هاي.. إن هذا محل للنظارات ونحن لم نطلب سوى زوج من العدسات الملونة
      ردت بحدة: هناك أكثر من خمس محلات للنظارات في هذا الشارع, يمكنكم انتقاء أفخرها, هذا لو كنتم تريدون الشراء بالفعل
      علت صيحات الاستنكار والغضب بين أفراد الشلة
      وفي المقابل كان الزبون الذي دخل المحل يرد بانفعال ويعترض ويؤيدها في أنها لم تخطئ
      أما هي فقد بقيت صامتة ولم ترد
      تركت المشاجرة ووجهت كلامي لها مباشرة : يجب أن تعلمي أننا لم نأتي إلى هنا إلا لشراء زوج من عدسات العيون
      كم يكفيكي؟
      أخرجت كل ما في حافظة نقودي, وكان مبلغا كبيرا, ألقيته أمامها على الطاولة الزجاجية
      لم تتكلم أبدا, لكن الرجل الذي يقف في الجانب المقابل هتف بغضب : عيب عليك يا أستاذ, هذا لا يليق
      أتى على صوت المشادة ثلاثة شباب من خارج المحل ووقفوا يراقبون ما يحدث
      قلت بعصبية : خذي ما يكفيكي والباقي بقشيش
      نظرت بصمت نحو الثلاثة الواقفين عند الباب وكأنما قرأت في وجوههم الغاضبة نية العراك اذا ما تطور الموقف أكثر من هذا
      وكأنما أرادت أن تنهي الموقف بأية طريقة, فمدت يدها وسحبت عدة ورقات قليلة وهي تقول بحزم : هذا ثمن العدسات, أما البقشيش فوفره لغيري, أنا لا أقبل بقشيشا هنا
      والآن, خذ عدساتك وأصدقائك واذهب من هنا, وتفعل خيرا ان لم تأتي ثانية, فكما ترى, عودتك قد تتسبب لك في مشكلة كبيرة
      فهمت رسالتها كما فهمها كل من معي وصمتوا تماما, وأدركت أن امرأة مثلها لا يمكن أن تقف وحيدة في مكان كهذا دون ضمان بالحماية ولو حتى من جيرانها
      أخذت العلبة وبقية النقود ورحلت وخلفي الأصدقاء وأنا أتميز غيظا وأكاد لا أرى أمامي من الغضب....

    4. #4
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (4)

      ذهبت إلى حفل عيد ميلاد رودي في فيلتها, وبمجرد أن رأتني ركضت نحوي هاتفة : شادي, لم تأخرت؟
      حاولت أن أكون طبيعيا وأنا أقول وحولي الشلة يحاصرونني بنظراتهم وكأنما ينتظرون لحظة تقديم الهدية لتبدأ متعتهم في إلقاء التعليقات الساخرة
      حاولت أن أفوت عليهم الفرصة, فسحبتها من يدها وأنا أقول بسرعة: لا تهتمي, هيا لنرقص
      لكن تامر لا يمكن أن يضيع فرصة كتلك فهتف بصوت عالي : ألن تقدم لها الهدية؟
      بدأت تسرى بين الجميع موجات من الضحك الساخر, فنظرت إليه نظرة زاجرة, لكنه لم يهتم وأكمل : يجب أن ترى الهدية التي أحضرها لك
      رأفت باستظراف : ربما كان عليها رؤية المحل الذي اشتراها منه
      لم أعد أستطيع التحمل, فأخرجت الهدية بسرعة على أمل أن ينتهي ذلك الموقف السخيف بسرعة وأنا أحاول السيطرة على انفعالي
      استطاعت رودى الهاء الجميع عني عندما صرخت بفرحة : شادي, أنت رائع, انه اللون الذي كان ينقصني
      طبعت قبلة على خدي: ما أروع هديتك, لا أحد يعرف ذوقي مثلك
      تامر ساخرا : أنها هدية غالية
      رودى بحب : بالتأكيد لأنها من شادي
      وليد بتهكم: ليت الأمر مالا فقط. إلا...
      زفرت بضيق وخطفتها من بينهم : هيا لنرقص
      اندمجنا في الرقص على أنغام الموسيقى, وبدأت أهدأ, لكنها لاحظت تغيري, وانفعالي فقالت : شادي. ما بك؟ أنت لست على طبيعتك اليوم
      قلت مجاملا, لا تهتمي, فقط موقف سخيف مررت به, وسأنساه سريعا
      قالت بحزن : هل أنت حزين لأنني سأسافر غدا؟ صدقني حاولت أن أرفض
      إن آخر ما أريده أن أبتعد عنك, لكن أبي أصر
      الأسرة كلها ستقضي شهور الصيف عند عمي في فرنسا, وأجبروني أن أذهب معهم
      لا أدري ماذا فعلت بي كلمة فرنسا, فبدأت أغلي من جديد وأشرد بعيدا فيما حدث لي من ساعتين
      قالت معاتبة : شادي, أأنت معي؟
      قلت وأنا أحاول أن أتغلب على حالتي النفسية السيئة بابتسامة تمثيلية : بالتأكيد, وأين أستطيع أن أذهب؟
      لو قلت لي أن أبقى, فسأتحداهم جميعا وأبقى لأجلك أنت
      قلت : وتقضين شهور الصيف الحار هنا!
      لا لن يرضيني هذا, اذهبي واستمتعي بوقتك
      قالت بإحباط : وأتركك هنا وحدك!
      لا أحد في هذا الكون يهمني أكثر منك
      قلت : لا تقلقي, سأكون مشغولا بشركة الكمبيوتر التي أسسناها سويا أنا وتامر
      لازالت في بدايتها لكن العمل يسير بشكل جيد وبدأنا نجني بعض المكاسب
      قالت بقلق : بالنسبة لتامر, خذ حذرك منه, فعندما يجد مالا كثيرا أمامه يكون غير طبيعيا
      قلت باستنكار : تامر! لا انه صديقي كما أن الشركة تهمه مثلي تماما فنجاحها لنا نحن الاثنان
      قالت : فقط لا تمنحه ثقتك العمياء, وكن على حذر
      عادت إلى لهجتها الأولى : كنت أتمنى البقاء إلى جوارك
      قلت بدهشة : وتتركي السفر إلى فرنسا, هذا هو الجنون
      قالت بإحباط : أهذا هو رأيك؟
      قلت وعقلي في مكان آخر : بالتأكيد الفرنسي هو الأفضل
      كنت أعتقد أن ثورتي ستهدأ بمرور الوقت, لكنها كانت تزداد
      لم أعد أستطيع التركيز في عملي, وكانت نقمتي على تلك المرأة التي جعلتني سخرية الجميع تزداد باطراد
      وكلما حاولت أن أنسى ألقى أحد أفراد الشلة بكلمة ساخرة في وجهي ذكرتني بالموقف السخيف, وأشعلت نيران نقمتي من جديد
      لدرجة أنني وبعد ثلاثة أيام وجدتني أقود سيارتي وأنا شارد بعد أن أنهيت عملي, ووجدت نفسي أمام محل النظارات
      حاولت أن أمنع نفسي وأعود أدراجي, لكن رؤية اسم المحل وحده أشعلت رغبتي في الانتقام , فقفزت من السيارة واتجهت إلي المحل لأجد الباب الزجاجي مغلق وعليه ورقة كتب عليها (مغلق للصلاة)
      عدت إلى السيارة والغل يأكلني وجلست فيها مترددا, هل أنتظر قليلا أم أرحل
      لكن انتظاري لم يطل : فوجدت فتاة صغيرة السن تفتح الباب من الداخل وتسنده ليبقى مفتوحا وتدخل الى المحل
      حزمت أمري ودخلت لتقابلني الفتاة الصغيرة بابتسامة مهذبة وهي تقول: مرحبا سيدي, بم أخدمك
      قلت وعيناى تدوران في المحل يمينا ويسارا : أحتاج لنظارة شمسية من أحدث الماركات
      ازدادت ابتسامة الفتاة اتساعا وكأنما رأت في زبون لقطة سيدفع كثيرا
      وبسرعة وضعت أمامي مجموعة من النظارات مختلفة الموديلات والماركات
      أخذت أقلب فيما بينهم ورأسي شارد, ولكني قلت لها فجأة: ولكن أين السيدة التي تجلس هنا؟
      قالت الفتاة ببراءة : من تقصد؟
      قلت : تلك التي تغطي وجهها
      قالت بفهم : آه, فهمت, تقصد أبله فاطمة, أنها تصلي
      ألم يعجبك شيء؟
      (الأستاذ لن يعجبه شيء)

      التفت بسرعة لأجدها تخرج من خلف ستارة أنيقة تغطي حجرة جانبية في المحل
      قالت وهى تتقدم : الأستاذ أخطأ العنوان, فهو يريد شراء شيء غير موجود هنا
      قلت بتحدي : وكيف تعرفين أن ما أريده ليس موجود هنا!
      قالت وهى تضغط حروف كلماتها : لأن هنا ليس سوى محل لبيع النظارات, نحن لا نبيع هنا أى شيء سوى النظارات
      شعرت بالدماء تغلي في رأسي, وقلت وأنا أرمقها بنظرة غضب : إذا كنت لا تريدين البيع فلم تقفين في المحل؟
      قالت بحزم : هذا ما لا شأن لك به, اذهب إلى المحل المقابل, ربما تجد ما تريد, أما هنا فلا شئ للبيع
      تدخل فى الحوار فجأة رجل كهل يبدو أنه كان يتابع الموقف من عند الباب وقال لي بود : عفوا يا أستاذ, تفضل معي, سأريك أحدث تشكيلة إستوردناها من النظارات الشمسية
      لم أتحرك من مكاني وبقيت أنظر إليها بغيظ
      لكم أود أن أقتلها
      قال الرجل بلهجة لينة: أرجوك تعالى معي وسترى ما يسرك
      خرجت معه بهدوء وهو يتحدث إلى وأنا شارد الذهن عن نصف كلماته, حتى وصلنا إلى المحل المقابل
      أجلسني على احد المقاعد وأرسل صبيه ليحضر لي زجاجة مياه غازية, وأخذ يلقى على عبارات الترحيب بحفاوة
      فقلت : ليت كل من يعمل بائعا لديه مثل هذا الرقى في التعامل مع الزبائن, كيف يمكن لأصحاب تجارة أن يأمنوا على مالهم بين يدي موظفين ليست لديهم أية خبرة في التعامل مع الزبائن المحترمين
      قال بابتسامة ودودة : أنت تقصد أبله فاطمة, أنها ابنة صاحب المحل
      لا تؤاخذها أنها حادة الطبع قليلا, لكنها محترمة وطيبة
      أخذت أستمع إليه باهتمام وأنا أشرب زجاجة المياه الغازية وهو يقول: إن ما تراه كل يوم من أشباه الرجال والمتحذلقين وقليلو الأخلاق يجعلها حادة للغاية كما رأيتها
      إنها معذورة
      فتاة شابة تحملت مسؤولية عائلة بأكملها بعد مرض أبيها, كما أن التجارة عليها ديون كثيرة, والبيع لا يسير بشكل جيد هذه الأيام
      إنها مسئولية ينوء بحملها الرجال الأشداء
      قلت وأنا مندهش تماما في عقلي من كلمة (فتاة شابة) فقد كانت مفاجأة لي : كنت أظن أن تجارة النظارات مربحة
      قال : تجارة النظارات كأية تجارة أخرى فيها الربح والخسارة, وقد تمر علينا أوقات تصبح الديون فيها أكبر بكثير من المكسب
      وكم من تجارة أغلقت أبوابها وأعلنت إفلاسها بسبب الديون
      شكرت الرجل ورحلت بعد أن اشتريت نظارتين بسعر محترم
      ظننت أنني سأنسى الموضوع تماما, لكنني كنت مخطئ, لقد سيطر على هذا الموضوع تماما حتى أنني لم أعد أفكر في أي شيء سواه
      وزاد من تأثري بالأمر سفر رودي وشعوري بالفراغ من بعدها
      ربما لو كانت موجودة لما سيطر على هذا الأمر لهذه الدرجة, فهي صديقتي المقربة
      استمرت الأفكار تغلي في رأسي, وتلح على إلحاحا شديدا
      وفي ليلة استمر فيها أرقي حتى الصباح, قررت قرارا مجنونا, ووضعت له خطة محكمة
      كان على إذلالها وكسر أنفها بأية طريقة, لقد تحول الأمر بداخلي إلى تحدى ومعركة لابد أن أنتصر فيها
      في اليوم التالي بدأت تنفيذ الخطة, أخذت أبحث خلف ديون المحل ودون أن تشعر هي بي
      وبعد شهر واحد فقط استطعت حصر كل ديون المحل, وتعجبت كثيرا إذ كانت الديون أقل بكثير مما توقعت
      واكتملت الخطة عندما سحبت مبلغا كبيرا من نقود الشركة واشتريت به كل ديونها, فأصبحت مدينة لي وحدي
      عندها فقط ذهبت إليها وأنا مفعم بالثقة والتحدي والغرور أيضا
      وعندما دخلت من باب المحل وجدتها تجلس خلف مكتبها في صدارة المكان ومعها مصحف تقرأ فيه وبمجرد أن رأتني تجمدت تماما
      قلت باستفزاز : مرحبا, ها قد التقينا من جديد
      قالت مباشرة وهى تنهض من خلف مكتبها : أخبرتك من قبل ألا تأتي الى هنا ثانية
      وقفت أمامي بتحدي ولكنني تجاهلتها وتقدمت ببرود وجلست على كرسيها خلف مكتبها
      أصابتها جرأتي بالمفاجأة فوقفت صامتة للحظات, ثم قالت بأسلوبها الخشن : يبدو أنك تحتاج لمن يلقنك درسا ويقطع رجلك عن هنا قلت ببرود شديد وأنا أهز الكرسي الدوار الذي أجلس عليه يمينا ويسارا : هيا, أريني من يستطيع أن يقطع رجلي؟
      كانت ذاهلة تماما من أسلوبي لكنها تمالكت نفسها بشجاعة وقالت : يبدو أن وقاحتك لا حدود لها
      قلت بحزم : عليكى التزام الأدب مع من تعملين لديه
      قالت بحدة: ماذا تقصد؟
      رددت بهدوء: ما أقصده باعتبار ما سيكون عندما تعجزين عن تسديد ديونك
      قالت بعصبية: ما هذا الهراء الذي تتفوه به؟
      قلت والشماتة تتراقص في عيني وصوتي : أنت الآن مدينة لي وحدي, لقد اشتريت ديون المحل كلها ألجمتها الصدمة تماما وأنا متلذذ برؤيتها ذاهلة حائرة تكاد أن تنفجر غيظا مني
      لقد كان الأمر يستحق العناء, فشعوري بالنشوى وأنا أراها في موقف الضعيف بعد أن كسرت كبرياءها روى غليلي وأشعرني بالقوة الفائقة
      قالت بصوت خشن وببطء مقصود : من أول لحظة رأيتك فيها وأنا مدركة تماما أنك لم تأتي الى هنا لشراء زوج من العدسات فأمثالك يعتقدون أنهم قد امتلكوا الدنيا بما فيها من بشر
      قلت ببرود : لم يكن الأمر وقتها بهذه الصورة, ولم أكن يوما أفكر بهذه الطريقة, لكنكى دفعتيني دفعا لذلك
      قالت : والآن, ما الذي تريده بالضبط؟
      قلت بتعالي : أريدك أن تفهمي جيدا مع من تتحدثين
      قالت بتحدي : أفهم جيدا مع من أتحدث, ولكن أنت الذي لا تفهم ما هو حجمك الحقيقي
      حتى الآن المحل ليس ملك لك, لذلك فعليك أن تخرج من هنا على الفور قبل أن آتي بمن يخرجك بطريقة لن تعجبك صدمني هجومها الذي لم أتوقعه فقلت بحدة : أتعلمين ما الذي تفعلينه؟ أتدركين حقا عواقب طردك لي؟ إن هذه هي ثالث مرة, والثالثة ثابتة كما يقولون
      إن بيدي مصدر رزقك أنت وأهلك, أستطيع أن أشردكم وألقي بك أنت ووالدك في السجن
      استشاطت من كلماتي وردت بأقسى منها : بل أنت الذي لا يفهم, فرزقي ورزق أهلي ليس بيديك أيها المتكبر المغرور, والمحل لازال ملك لنا حتى الآن, وديونك سألقيها في وجهك حالما يأتيني المال وحتى أن لم أستطع تكون أنت قد امتلكت هذه الجدران فقط, لكنك لا تستطيع امتلاك من فيها من بشر والآن اخرج من هنا فورا قبل أن آتي بمن يلقي بك إلى الشارع
      خرجت وأنا لا أكاد أتبين طريقي من كثرة الغل والغضب الذي استولى على فمن أردت كسرها عصية على الكسر, وأنفها لازال شامخا كنت أتصور أنها ستتوسل لى لأرحمها وأعتق أهلها من ديونهم, أو حتى ترجوني لتأجيل موعد سداد الدين حتى تستطيع تدبير المال الكافي لكنها فاقت كل توقعاتي, ولازالت مصرة على إهانتي إن ما حدث لي اليوم على يديها لم يحدث لي في حياتي كلها....

    5. #5
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (5)

      ذهبت إلى النادي, واستدعيت الشلة كلها بالجوال تامر ورأفت ووليد
      لم يعتذر أي منهم, كان يكفي أن يسمعوا صوتي المنفعل ليعرفوا أن خطب جلل قد حدث
      قررت السباحة حتى لا أضطر لانتظارهم وحدي دون فعل شيء فأقتل نفسي أو أحد آخر
      وظننت أن السباحة قد تهدئ من ثورة غضبي ونقمتي, لكن هيهات أخيرا حضروا وجلست معهم حول إحدى الطاولات الموضوعة حول حمام السباحة وسكبت أمامهم كل ما حدث لي قبل أن تتفجر عروقي من الغيظ, فقد كانت النار تقتات في عقلي, وبعد أن حكيت لهم كل شئ قلت : لا أدري ما الذي يمكن أن يكسر مخلوقة كتلك لا شيء يؤثر فيها لا شيء حتى يخيفها
      قال تامر بحمية : يمكننا أن نذهب إلى المحل ونجعله ركاما, وبهذا تكون قد كدت لها وانتقمت منها قلت ساخرا : ويذهب كل ما صرفته لشراء ديون المحل إلى الضياع
      وليد : حقا, إن البضاعة التي في المحل هى الضمان الوحيد لاسترداد مالك
      قلت : وليت ذلك يشفي غليلي
      التفت تامر لرأفت : ها يا عبقري, لم نسمع لك صوتا من أول الجلسة
      رأفت بتفكير : أتدرى ما الذي يشغلني حقا, كيف لفتاة بمثل هذه القوة والتحدي, فتاة لا تخشى شيئا كيف تخفي وجهها عن الناس, وأي وجه تحمل خلف نقابها!
      وكأن كلمات رأفت قد أيقظت فضولا كامنا في أعماقي, أي شيء يقبع خلف نقاب تلك المرأة
      أخذت أحاول أن أتخيل ملامحها ومع كل دقيقة تمر كان فضولي يزداد, وتؤججه رغبتي في الانتقام كشخص يجهل ملامح عدوه
      قال تامر : كيف لم أفكر في تلك المسألة من قبل, لا شك أن رؤية وجهها هو في حد ذاته انتصار, عندها ستكون قد أجبرتها على شيء ترفضه
      كلمات تامر كانت تفعل في عقلي الأفاعيل, وأخذت الفكرة تتردد في عقلي بقوة
      فرؤية وجهها رغما عنها قد تكون جزء من انتقامي, أو قد تشفي بعضا من غليلي : ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
      رد تامر بحماس : يمكننا أن نذهب كلنا إلى المحل ونقيدها ونكشف النقاب عن وجهها بالقوة
      رأفت ساخرا: هكذا دأبك, مجنون دائما ومندفع ولا تقدر عواقب الأمور
      إذا فعلنا هذا فسنلبس تهمة لا حل لها, أو ستستعين علينا برجال منطقتها, وعندها سنأكل علقة ساخنة وقد لا ننجو منهم
      تامر ساخرا : وماذا تقترح أنت أيها العبقري؟
      قال ببساطة: يمكنك أن تعرض عليها مالا, أو حتى تعرض عليها عرضا لا تستطيع رفضه
      فلتساومها على ديونها, يمكنك مثلا أن تتنازل عن جزء من ديونك مقابل نظرة واحدة إلى وجهها
      قال وليد ساخرا : تتحدثون بسذاجة منقطعة النظير, فهذا النوع من النساء لا يمكن كشف وجهه إلا في الحلال
      تامر بانفعال : ما هذا الجنون الذي تقوله!
      وليد : أعني بعقد زواج شرعي
      المال لن يجدي معها, لقد رفضته من البداية, رفضت حتى الخضوع لتهديدك بالسجن وتشريد أسرتها, فلا تتوقع الآن أن توافق على اقتراح رأفت الساذج
      قال تامر بانفعال : أتريده أن يتزوج من تلك المرأة, لا شك أنك مجنون
      قال وليد : اطمئن, فهي لن توافق أبدا على ذلك, فشادي بالنسبة لها من الفسقة المرتدين
      لقد أغلقت من كل جهة مثل لعبة الدومينو, وعليك أن تبحث عن طريقة لاسترداد مالك الذي دفعته حتى لا تكون الخسارة مزدوجة كنت صامتا تماما والأفكار تتردد من حولي على ألسنة أفراد الشلة, ولأنني لم أتوصل بعد إلى حل فقد بقيت صامتا وظلت الأفكار والكلمات تدور في رأسي في تلك الليلة وأعجزتني عن النوم حتى الصباح حتى قررت أخيرا أن أدمج بين فكرتي رأفت ووليد وفي نفس اليوم كنت عندها في المحل, وقلت لها بسرعة قبل أن تنفجر ثورتها في وجهي : لقد أتيت اليوم مهادنا, لا أدري حقا ما الذي أشعل الحرب بيننا بهذه الطريقة, لقد أتيت اليوم لأصلح الأمور
      قالت ساخرة: أهي خدعة جديدة أتيت بها
      قلت بجدية : لا ولكني أتيت لأعرض عليك عرضا محددا
      ما رأيك أن تتزوجيني؟
      قالت بصدمة : ماذا! إذا فهي لعبة جديدة كما توقعت
      قلت بحزم : لا ألعاب ولا خدع, أنا أعرض عليك زواجا شرعيا على سنة الله ورسوله
      قالت بشك: أتعتقد أنني من السذاجة لأصدق ما تقوله؟
      أمس تهددني بالسجن والتشريد, واليوم تعرض على الزواج!
      قلت بجدية: لقد قدمت عرضي, وأمامك مهلة للتفكير فكري جيدا وتذكري أننا عندما نتزوج فسيكون مالي هو مالك, ولن أطالبك بسداد ديونك, بل ربما محوت الديون كلها وجعلتها مهرا لكي وقد أساعدك في إقامة تجارتك من عثرتها
      كانت صامته تماما من المفاجأة حتى أنهيت كلامي, فقالت بريبة: لم تفعل كل هذا؟ ما الذي ستستفيده؟
      أنت لا تعرفني, لم ترى حتى وجهي, فما هى أهدافك الخفية من كل هذا حاولت السيطرة على أعصابي المشتعلة حتى لا أنفجر وأفسد العملية برمتها وقلت بهدوء : أنتي تسيئين الظن بي كثيرا
      قالت بتهكم : أتريد أن تقنعني أن شاب مثلك ومن وسطك الإجتماعي يريد أن يتزوجني قبل حتي أن يرى وجهي!
      قلت ببرود : ولم لا
      قالت بحدة : إن هذا الكلام لا يمكن أن يدخل عقلي أبدا, ولا يمكن أن أصدق أن أهدافك من هذا الزواج نبيلة أمسكت أعصابي في آخر لحظة قبل أن أصرخ في وجهها وأسبها بأقذع الشتائم
      قلت بعد أن غلفت كلماتي بالثلوج : إذا ما الذي يدفعني لذلك في رأيك؟
      قالت بتفكير : إن ما يتبادر لذهني من غايات للأسف ليست نبيلة أبدا
      لا أستطيع أن أجد سببا واحدا يبرر عرضك سوى رغبتك في تحطيمي وإذلالي وكسر أنفي
      وأولى خطواتك نحو تحطيم شخصيتي هو اجبارى على فعل ما لا أريد وهو كشف وجهي, حتى لو دفعت في سبيل ذلك زيجة لن تدوم أكثر من عدة أيام على أكثر الفروض
      صدمني ذكاؤها الذي لم أكن أتخيل إلى أين يمكن أن يصل
      فقلت مدعيا الهدوء رغم توتري الذي فاق حد الاحتمال : إن فكرتك عني سيئة للغاية, أنا أتحدث عن زواج رسمي عند المأذون إن رفضك هو الغير مبرر, وخاصة وأنكي ستكسبين مكاسب ما كنتي لتحلمي بها ستحتفظين بالمحل, وتختفي ديونك كأن لم تكن, سيكون هذا هو مهرك
      فكرى جيدا, فالفرصة لا تأتي للإنسان سوى مرة واحدة فقط
      سأعود غدا لأعرف ردك, فإن وافقتى, سأذهب مباشرة لخطبتك من أبيكى
      لأول مرة أخرج من هذا المكان بلا طرد, لقد تركتها حائرة مشتتة وهذا في حد ذاته نصر شفى بعضا من غليلي لم أكن واثق من موافقتها, ففتاة مثلها مفاجأتها لا تنتهي
      فتاة!!
      ترى ما شكلها وكيف هي ملامحها؟ ولم تغطى وجهها بهذه الطريقة الغريبة؟
      لا شك أنها قبيحة, فأي امرأة جميلة لا يمكن أن تخفى جمالها وتصبح في عيون الناس شبحا مرعبا أحسست أنني تسرعت وأن قدمي زلت في كارثة قد لا أستطيع الخلاص منها
      ولكن عنادها استثارني من جديد وانشغل عقلي بما سأفعله ان لم توافق على الزواج
      ان هذا هو الحل الوحيد الذي يترائي لي الآن للسيطرة على ذلك الكائن العنيد المتوحش
      بقيت مؤرقا أفكر حتى الصباح, وفى اليوم التالي شعرت لأول مرة بالتردد أمام باب المحل
      كان مغلقا للصلاة, وجلست في سيارتي على نار الانتظار, وأكثر من مرة راودتني فكرة الرحيل, أو الهرب من تلك العروس المقلب ولكنني لم أرحل وأخيرا وجدتها تفتح باب المحل بنفسها وتدخل ترددت كثيرا قبل أن أستجمع شجاعتي وأفتح باب السيارة وأدخل إلى المحل.....

    6. #6
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (6)

      دخلت إلى المحل لأجدها خلف مكتبها وصوت تمتمات هامسة تصدر منها
      قلت والتوتر يعصف بداخلي وأنا أحاول السيطرة عليه وأظهر الهدوء أمامها: لقد أتيت
      لأول مرة أسمع صوتها يأتي هادئا, لكن لازالت الخشونة تكسوه وهى تقول : وأنا كنت أنتظرك
      قلت والتوتر بداخلي يزداد : احم.. حسنا وما ردك على عرضي؟
      قالت مباشرة : أنا موافقة
      ألجمتني المفاجأة ولم أصدق أذني, أحقا وافقت!
      قلت بدهشة: ماذا قلتي؟
      قالت بصوت أعلى وبلهجة خالية من التحدي: قلت أنني موافقة... ولكن بشروط
      ضربت رأسي الهواجس, هل ستطمع تلك البائسة وتبدأ في إملاء شروطها على؟
      ماذا كانت ستفعل لو كانت في نصف جمال رودى ودلالها؟
      أيحق لها إملاء شروط تلك الرجل المتنكر في ثوب امرأة!
      وفى تلك اللحظة هاجمتني صورة في ذهني, أن عروسي المقبلة ربما تكون غطت وجهها لتخفى لحية وشارب حول فمها
      قالت عندما طال صمتي : لم أسمع ردك
      قلت بعد أن واريت كل مشاعري وأفكاري خلف قناع تمثيلي من الهدوء: وما هي هذه الشروط؟
      قالت : أن تتنازل عن كل ديونك بورق مسجل باسم أبى, لا باسمي, كما أن عقد المحل باسم أبى
      قلت : وأنا لم أقل بخلاف ذلك
      أكملت : أن لا يكون مهري مالا, بل بضائع تملأ بها المحل, وكذلك الشبكة إن أردت شراء شبكة, لا أهتم بذلك كثيرا, فقط يمكنك أن تقدر قيمتها وتضيفه كبضائع للمحل
      وحيث أنني سأترك العمل لبعض الوقت وأتفرغ للزواج, فعليك استئجار اثنين من الموظفين تخصص بصريات للوقوف في المحل وتدفع رواتبهم لمدة عام كامل على الأقل
      قلت بضيق: وماذا أيضا!
      ردت بجدية : هذه هي كل شروطي المادية
      ولكن هناك شروط أخرى غير ذلك
      قلت ساخرا: هاتى ما عندك
      كما أنك طلبتني للزواج ووجهي مغطى, فاعلم أنني سأكون كذلك بعد الزواج, ومن أهم واجباتك كزوج أن تحفظ سترى وأن تحرص على ألا يراني غريب
      قلت ساخرا: هل انتهيت؟
      قالت : لم يتبقى سوى شيء واحد, وهو الأهم بالنسبة لي, ماضيك لا شأن لي به, وكذلك كل ما يصدر منك بعيدا عن سمعي وبصري
      أعلم قدراتي جيدا, كما أعلم أنني لن أستطيع تقييدك أو السير خلفك في كل مكان, كما أنني لا أتحسس عورات الآخرين, ولا أحب التجسس
      ولكن إن وصلني عنك انك ارتكبت فاحشة, فسيكون هذا فراقي
      قلت ساخرا: يبدو أنك تعتقدين أنني شخص من الشارع أو من بيئة فاسدة
      أنا ابن ناس, ومن عائلة كريمة
      قالت بهدوء : لا يقيم الرجل بأهله وأسرته بل بأفعاله وتصرفاته
      أفحمتني من جديد, فخرجت من المكان بسرعة قبل أن أنفجر فيها وأنا أقسم في نفسي أن أذلها وأكسر أنفها وأحطم كبرياءها
      صرخت في وجه حفيدي بعد أن سمعت ما يكفى ليشنف آذاني: كيف تتزوج من فتاة بهذه الطريقة الدنيئة؟
      وأي بيت هذا الذي يمكن أن يقام في ذلك الجو من التحدي والعدائية والرغبة في الانتقام؟
      قال ساخرا : بيت من الذي تتحدث عنه؟ إن الأمر لن يتعدى بضعة أيام, أو أسبوع على أكثر تقدير, ألهو قليلا وأشبع رغبتي في الانتقام, وأكسرها
      والأهم من ذلك, أن أعرف ماذا خلف النقاب
      قلت وقد تملكني الذهول تماما من كلماته المستفزة : أأنت حقا حفيدي! أأنت حقا ذلك الصبي الطيب الذي كنت أحبه كثيرا وألاعبه!
      قال ببرود : لا تكبر الموضوع يا جدي العزيز وتلبسني ثوب الشيطان
      أنا لم أخدعها, على العكس, هي تعلم كل شيء, وتدرك جيدا لم تزوجتها
      وكما قالت لي في آخر مرة التقيتها, أن الأمر ليس سوى صفقة وعقد شراكة بيني وبينها, وكل منا عليه أن يؤدى التزاماته نحو الآخر هي تتزوجني طائعة مختارة وهى تعلم أنني أود أن أخنقها وأذلها, في مقابل أن تضمن أن يبقى المحل باسم والدها وأن ترفع عنها ديونها وديون أسرتها لم يخدع أحد منا الآخر, على العكس, انه زواج قائم على الصراحة المطلقة, لم يخفى أحدنا شيئا عن الآخر
      قلت بغيظ : هذا ما يسمى حقا يراد به باطل
      أيها الشريف, يا بن العائلة الكريمة, أنت تلوى ذراعها وتستغل حاجتها للمال
      قال مدافعا : لقد وافقت برغبتها, واشترطت على كل شروطها وأنا لم أرفض, ومنحتها ما تريد مقدما, أما المؤخر فلم تشترط فيه شيء, بل العكس لقد رفضت أن يكون هناك مؤخر صداق
      قلت بفهم : يا مسكين, إنما فعلت ذلك لتسهل عليك تطليقها, وتزيل أي عقبة في طريقك لإنهاء الزواج في وقت قريب هي لا تريدك كما انك لا تريدها وتلاعبك كما تلاعبها تماما
      قال بابتسامة ماكرة : وهذا أجمل ما في الأمر, أنني حر أتخلص منها في الوقت الذي أريده
      أخذت أسترد أنفاسي التي تسارعت من فرط غيظي من ذلك الفتى الخبيث المستفز, ثم حاولت أن أحادثه بطريقة مختلفة : يا بني, ألا تخشى الله؟ إن لديك أختا, أتود أن يفعل بها كما تفعل أنت بهذه المسكينة؟
      قال ساخرا: أختي ليست سليطة اللسان ومتوحشة مثلها تلك الشرسة تحتاج من يعلمها الأدب
      قلت بحدة : وهل تعرف أنت الأدب لتعلمها إياه؟
      إن ما تفعله هو شيء عديم الأخلاق
      زفر شادي بيأس : إذا فأنت أيضا لا توافق على هذا الزواج؟
      قلت: أفهم من كلامك أن أمك لم توافق؟
      نعم, بالتأكيد لا يمكن أن توافق على تلك الفتاة التي وصفتها لي
      قال بإحباط : أمي فقط!
      إن العائلة كلها أعلنت الرفض القاطع بالإجماع, حتى أبى رفض فمن وجهة نظرهم فتاة كتلك لن تشرف العائلة الكريمة, حتى رشا, أتصدق إن اعتراضها عليها لأن اسمها لم يعجبها
      قلت متهكما: عقليتها لا تختلف كثيرا عن عقلية أخاها
      صمت محاولا التحكم في أعصابي حتى لا أثور عليه وأطرده, ثم قلت أخيرا : والآن أفهم تماما لم أتيت إلى, لأنك تحتاج موافقتي على زواجك لتقويك أمام ثورة العائلة
      أكملت بسخرية مغتاظة : وأنا الذي اعتقدت بسذاجة أن حفيدي الغالي قد هداه الله وأتى أخيرا لزيارة جده بعد انقطاع يزيد على السنة نظر إلى باستعطاف وقال جملته الشهيرة التي يقولها كلما حاول استجدائي لأفعل شيء يريده : جدي, أنت تعلم أنني أحبك وأننا أصدقاء منذ زمن طويل, فهلا ساعدت صديقك؟
      قلت هازئا : نعم, من أجل صداقتنا الوطيدة لم تزورني منذ غادرت بيت أبيك سوى مرتين فقط, آخرها منذ عام وثلاثة أشهر
      قلت بألم: تغيرت كثيرا يا شادي, يا للخسارة, كنت أنت الأقرب إلى دون أفراد العائلة قاطبة
      قال بلامبالاة: ما كان عليك أن تتشاجر مع أمي وتترك البيت
      قلت متأففا: هل سنعيد القصة من جديد؟ ومن أخطأ ومن أصاب؟
      عموما هذا المكان ملائم لي تماما, على الأقل لا أجد من يستفز أعصابي ويضايقني ويرشقني بكلماته المؤلمة كلما تحركت حركة أو تنفست نفسا
      قال مغيرا الموضوع : والآن, ألن تساعدني وتؤيدني؟
      لقد انتويت أن أدعوك لتشهد على عقد قراني
      قلت مغتاظا : اتقى الله في الفتاة المسكينة, إن كل ما تريده من حياتها هو أن تعيش وتساعد أهلها على المعيشة الصعبة عار عليك أن تظلمها بتلك الطريقة المشينة
      قال بنفاذ صبر : إذا فأنت أيضا ضدي مثلهم جميعا؟
      قلت بحدة : بل وأشد منهم جميعا, ولكن أسبابي تختلف عن أسبابهم
      هم يرون أنها لا تليق بك ولا بعائلتك الكريمة, وأنا أرى أنك أنت الذي لا تليق بها
      شادي : حسنا, لقد فعلت ما يتوجب على فعله وأخبرت الجميع.....

    7. #7
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (7)

      ابتسمت ولاء ابتسامة واسعة عندما وصل الجد إلى هذا الجزء وقالت : لا تقل لي, لقد أصابته دعواتك, أليس كذلك؟

      قال الجد باسما: لم توقعت هذا؟

      تحولت ابتسامتها الواسعة إلى ضحكة خافته : لأن ذلك المحظوظ نال القمر فى السماء

      ألم تكن هي التي زارتك اليوم؟

      قال بضحكة ماكرة : نعم , وتحايلتى وتماكرتى لترى وجهها, أليس كذلك؟

      خفضت عينيها في خجل قائلة : فضولي الزائد يتسبب لي دائما بالمشكلات

      قال الجد وهو يشرد بعيدا : نعم, إنها هي فاطمة أجمل من خلق ربي

      اشتعلت عيناها ببريق الفضول وقالت بشغف: وماذا فعل عندما عرف ماذا خلف النقاب؟ انه الحب من أول نظرة, أليس كذلك؟

      ابتسم الجد : أنت متعجلة وشغوفة للغاية, ولكن لا تتسرعي في الحكم على الأمور, فالحب من أول نظرة لا يصلح مع نوع له غرور حفيدي, نوع لف ودار ورأى نساء لا تحصى, مما أورثه كبرياء عنيف يمنعه من الاعتراف بالحب وحتى تتضح الصورة, فالأمر أكبر بكثير من مجرد جمال الوجه أو الجسد, فذلك الأحمق نال قطعة من الجنة تمشي على الأرض

      ولاء بشغف : كيف؟

      يعود عم محمد للقصة : زارني الأحمق بعد أربعة أشهر, وأخذ يحكي لي ما حدث بالتفصيل

      ذبت الى بيتها في أحد الأحياء الشعبية القديمة, لم يكن هناك أى مظهر من مظاهر الفرح في المكان سوى عناقيد النور التي أصر والدها على وضعها على جدار البيت ليظهر للجيران أن له ابنة تتزوج, كان كل شيء هادئ تماما وبعد عقد القران طلبت منها أن تخلع النقاب, ولكنها قالت بهدوء : لا تتعجل, فلنذهب إلى بيتك أولا أخذتها ورحلت دون أن نتبادل أية كلمة, وأنا أتوعدها في سري, وعندما وصلنا إلى البيت أشرت لها على الحجرات والمطبخ والحمام, وتركتها ودخلت الحمام لأتحمم, وعندما خرجت وجدتها تصلى على سجادة صلاة لم تكن موجودة في البيت, وأدركت أنها أحضرتها معها, كانت من النوع الذي تم تركيب بوصلة فيه لمعرفة مكان القبلة التي لو سألتني عنها ما عرفت بماذا أجيبها

      انتابني الضيق الشديد ولم أنظر إليها حتى ارتديت منامتي وخرجت من الحجرة متأففا وجلست في الشرفة الواسعة وأخذت أسلي نفسي بعمل بعض المكالمات للشلة, وكنت قد أخبرتهم أن اليوم زفافي إلى فتاة النظارات, وكانت دهشة الجميع عارمة أن العنيدة وافقت على زواجي منها, وعرفت أن تامر يقيم حفل صاخب في شقته, وأخذت أتحسر على نفسي وعلى البركة السوداء التي سقطت فيها, وأصدقائي في الهناء صخب وضحك ورقص وفتيات حتى الصباح

      تامر : ما بك أصبحت كئيبا, هل نضحت عليك وأصابتك عدواها؟

      قلت بتأفف : لا يا صديقي, يبدو أنني أخذت مقلبا محترما إبليس نفسه لن يتحمل تلك الجلسة التي أجلسها الآن أتتني ضحكاتهم الساخرة, وفهمت أن تامر فتح السماعة الخارجية للجوال ليسمعني الجميع

      قلت بضيق : لا تضحكوا كثيرا, انتظروني سألحق بكم, فلن أتحمل ساعة أخرى في هذا المكان الكئيب, ومع مخلوقة كتلك لم أدرى أنى قد استغرقت أكثر من نصف الساعة في المكالمة الا عندما أنهيتها اتجهت إلى الحجرة وأنا في قمة الضيق, يبحث عقلي عن وسيلة للخروج من البيت في هذا الوقت, وأخذت أفكر جديا في ارتداء ملابسي والخروج سريعا لألحق بالشلة في شقة تامر عندما دخلت إلى الحجرة توقعت أنها لا زالت تصلي, لكني وجدتها قد أنهت صلاتها وجلست على طرف الفراش أول ما شد انتباهي أنها أنثى عادية, ترتدي ملابس النوم المكشوفة وتترك شعرها منسدلا على كتفيها

      لكن ما أثار اهتمامي أكثر هو أن شعرها كان مصففا بعناية بأحدث التسريحات, بل انه أجمل من تصفيفة شعر رودى, كان ناعما للغاية ويخفي أغلب وجهها الذي ينظر إلى الأرض, والأروع أن تدرجاته اللونية خلابة لم تكن سيئة أو قبيحة, إذ يبدو أن كلامك كان صحيحا إلى حد بعيد, والآن بدأ الفضول يأكلني لرؤية وجهها, فاقتربت منها وجلست بجوارها في هدوء, وأدرت وجهها إلى, وتجمدت كل عضلة في, حتى أنفاسي, فقد فوجئت أمامي بكم من الجمال المبهر لم أكن أتوقعه إطلاقا بقيت مشدوها لفترة لا أحرك ساكنا لفترة لا أعلم مداها, فقد أذهلتني تماما تلك الفتاة العجيبة, وفي عقلى أخذت أقارن بينها وبين رودي, لكنها كانت أجمل منها بمراحل

      في هذه الليلة لم أستطع أن أغادر البيت وأذهب الى الشلة, فثاني المفاجآت التي أذهلتني أن الشرسة العنيدة سليطة اللسان لم تكن فقط جميلة, بل كانت وديعة وهادئة الى درجة الصمت التام, فلم تفتح فمها مطلقا, ولم أسمع صوتها أبدا

      صوتها!!!

      أهو جميل أيضا كوجهها؟ أكانت حقا تغطيه بغطاء الخشونة لتخفيه عن آذان الرجال كما فعلت بوجهها؟

      تمنيت أن أعرف لكنها لم تمكنني من ذلك على الرغم من محاولاتي لإستفزازها لتتحدث الى وأسمع صوتها.....

    8. #8
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (8)

      استيقظت عند الفجر على رنات جوالي وأنا في شدة الغيظ من ذلك السمج الذي أيقظني من نومي, وتوقعت أنه أحد أفراد الشلة يستظرف , أمسكت بالجوال وأنا أنوى أن أشتمه, لكن الرقم لم يكن من مصر, كانت مكالمة من فرنسا, لا شك أن أحد أفراد الشلة قد أخبر رودي, صرخت بضجر : يووووووه
      وألقيت بالجوال بعنف إلى الجدار ليتفتت إلى قطع, وهدأت عندما تخلصت من الجوال المزعج الذي هو همزة الوصل بيني وبين الشلة, فالجوال الثاني كان عائليا فقط ولا أحد من الشلة يعرف رقمه تذكرت فجأة أنني تزوجت بالأمس, فانتفضت أبحث عنها وأنا متوقع أن تكون هربت, لكني وجدتها تصلي على سجادتها, فعدت لنومي مطمئنا, ثم استيقظت عند الظهيرة أبحث عنها وهناك هاتف بداخلي يقول أنها ستهرب مني وتعود إلى بيت أبيها, وارتحت أن وجدتها في حجرة المعيشة تتابع الأخبار في التلفاز, فقلت لها : أنا جائع, هلا أحضرتي شيئا من الثلاجة لنأكله؟
      لم تنظر إلى أبدا, لكنها تركت جهاز التحكم في القنوات وهبت قائمة إلى المطبخ ومنه إلى المائدة, لأفاجأ بعد قليل بأن المائدة امتلأت بأطايب الطعام الساخن, وجمعت فيها بين وجبتي الإفطار والغداء معا جلست إلى المائدة وأخذت أتأملها وهى تذهب وتجيء بنشاط عجيب من المطبخ إلى المائدة, وأعجبتني للغاية ملابسها الأنيقة واختيارها للألوان, وأخذت أستمتع بذلك العبير الرائع الذي يصافح أنفي كلما مرت بجواري, وفكرت أن أسألها عن اسمه, ولكني لم أشأ أن أكون في عينيها أبلها لا يدرى نوع العطر النسائي الذي تضعه, فأنا خبير في العطور النسائية من كثرة ما اشتريتها كهدايا لصديقاتي, أما هذا العبير فلم يرد على من قبل
      وتعجبت من جديد, إذ كيف باستطاعة فتاة في عمرها أن تخفي كل هذا الجمال وتلك الأناقة تحت خيمة كبيرة مغلقة النوافذ والأبواب, لا يبدو منها شيء ومر الوقت على دون أن أشعر لأفاجأ بأنني لم أركب سيارتي, أو أرى الشارع الذي أسكن فيه من أسبوع كامل ضحكت وضحكت وضحكت حتى كاد قلبي أن يتوقف, ودمعت عيناي بشدة اغتاظ شادي وسألني : لم تضحك الآن!
      قلت ساخرا : أضحك من حمقك, إذا فاليمامة الوديعة حبست الصياد المغرور في البيت أسبوع كامل, وأذهلته عن الدنيا, حتى أنه لم يعد يفرق بين ليل أو نهار, ولم يعد يعرف في أي يوم هو من أيام الأسبوع!!
      قال بغيظ : من حبس من؟
      أتريدني أن أترك لها البيت وأخرج دون أن أضايقها وأنغص عيشها؟, وهل هذا يعد انتقاما! تذكر أنني تزوجتها لأنتقم منها, ولا تبالغ في استنتاج الأشياء
      قلت بشماتة : أنا لا أبالغ, ما أقوله هو أقل من الحقيقة, فأنت لم تكن تبتعد عن أصدقاءك ساعة واحدة, ولا يمكن أن تضيع سهرة صاخبة مثل سهرة تامر
      قلت محاولا استفزاز غيظه وغضبه قدر ما أستطيع : ولكن, أخبرني بصدق, ما الذي جعلك تترك كل شيء وترابط بجوارها؟ أهو سحرها أم جمالها, أم فتنتها؟
      فوجئت بأنني أخفقت في اغاظته, بل انه تقبل كلماتي ورد بطريقة عادية : الحقيقة أنها جميلة للغاية, لكن مشكلتي معها أنني عاجز عن الإمساك بخطئ واحد لها أعاتبها عليه أو ألومها أو أصرخ في وجهها, أو حتى أنغص حياتها, فهي تتصرف بمثالية كبيرة, تطيعني إلى درجة الطاعة العمياء, لا تقول لا أبدا لأي شيء أطلبه منها, أتمنى أن أجد لها خطأ واحد
      قلت بغيظ : يا لك من أحمق كبير, والآن, ما الذي أتى بك إلى هنا الآن؟ لا شك أن خلفك مصيبة كبيرة, فأنت لا تأتي إلى إلا إذا كنت غارقا في مشكلة, أو تحتاج إلى شيء قل الحقيقة مباشرة, هل طلقتها, أم تريدني أن أخترع لك سببا مقنعا لتتخلص منها, فأنا أفهمك جيدا, ليس لك في الطيب نصيب هتف بدهشة : أطلقها!!!
      وكيف أتمم انتقامي إذا؟ وماذا عن مالي الذي دفعته, هل أخسره هكذا بكل بساطة دون حتى أن أحصل على مقابل لما دفعته!
      هتفت بغيظ : أتعلم أنك تثير اشـ ..
      أمسكت الكلمة على طرف لساني, ثم زفرت بضيق وحاولت أن أتصنع الهدوء: ما علينا.. والآن, بعد أربعة أشهر كسرت أنفها ولويت ذراعها وأجبرتها على كل شيء تريده, وعرفت ما خلف النقاب وشفيت غليلك منها, ما هي مشكلتك؟
      قال بإحباط: المشكلة أنها لا تغضب ولا تتأفف مهمة طلبت منها, أو أمرتها بشيء
      قلت ساخرا: تريدها أن تصفعك إذا ما أمرتها بشيء؟
      قال: لا بل أريدها أن تناقشني, أن تغضب, أن تصرخ في وجهي, أن تقول حتى لا أنا متعبة, أنا مريضة حتى الآن لم أسمع صوتها جيدا, كل ما ترد به بصوت خفيض, (حاضرة, سأفعل ان شاء الله, كما تريد)
      قلت بوجل : آآه, إن كل ما أخشاه أن يكون أحد غيري قد سمع منك هذا الكلام
      قال باسما : لا اطمئن, إن نصائحك كطلقة رصاصة, لا تصد ولا ترد, فعندما خرجت من البيت بعد أسبوعين وذهبت إلى الشلة انطلقت أضحك من جديد, واغتاظ شادي مني, ورغم ذلك أكمل الحكاية, فلم يكن له لديه أحد يثق به ولا يحكي له سواي فقال مبررا : كنت مضطرا أن أذهب إليهم, وإلا لزاروني في البيت, حتى تحذيري لهم بعدم الإقتراب من البيت لم يكن ليجدي بعد كل هذه المدة من الغياب, وهنا ستقع كارثة ولا شك بمجرد أن رأوني, احتفلوا بي بصخب وتجنبت بصعوبة مشاركتهم الشراب حتى لا أنكشف عندما أعود إلى البيت وكان أول سؤال عندما جلست بينهم هو ماذا خلف النقاب؟
      قال تامر : هيا, أخبرنا, ماذا وجدت خلف النقاب؟
      قلت بتردد: ماذا وجدت خلف النقاب؟؟
      تصنعت التفكير العميق وكأنني لا أجد أوصافا مناسبة : امممم, أنها جيدة, في المجمل جيدة
      رأفت: ماذا تعني؟ أهي جميلة أم لا؟
      قلت : احم, آآ.. في بعض الأحيان قد تكون جميلة
      تامر بإشفاق : ألهذه الدرجة!
      قلت مستنكرا : لا لا لا تفهموني خطأ, أنها جميلة, لديها جمال وليست خالية منه
      يضحك رأفت : يبدو أنك شربت مقلبا كبيرا
      قلت مدعيا الدفاع عن نفسي: لا, لا تقل هذا فهي جيدة قلت لك
      قال تامر : في العادة لا توصف المرأة بذلك الوصف, فهي إما جميلة أو لا
      أخذت أحك رأسي وأنا أفكر في فكرة, أية فكرة للهروب من الموقف, أعرفهم جيدا عندما يجتمع الفضول بينهم تذكرت فجأة شيئا قد ينقذني, فهتفت فيهم بغضب : ما هذه المقالب السخيفة؟ كيف تفعلون بي هذا, أهذه هي أصول الصداقة؟
      صمت الجميع فجأة مندهشين, فأكملت مدعيا الغضب بعد أن أفلحت في إبعاد تفكيرهم عن زواجي : كيف تفعلون بي هذا؟
      قال تامر بحيرة : وماذا فعلنا؟
      قلت ثائرا : إنه أنت يا تامر, أليس كذلك؟
      قال بدهشة: أنا؟؟ وما الذي فعلته؟
      قلت : اتصلت برودي وأخبرتها بأنني تزوجت حاولوا كتم ضحكاتهم للحظات, لكنهم فشلوا وانفجروا جميعا بالضحك فقلت مغتاظا : أتعلمون ماذا فعلتم؟ لقد خربتم العلاقة بيني وبينها, كيف أصلح الأمر الآن؟ وما الذي يمكن أن أقوله لها عندما تعود؟
      قال وليد بهدوء : ألهذا أغلقت جوالك طوال هذه المدة؟
      قلت : نعم, لقد اتصلت بي ولم أرد, لا شك أنها غاضبة
      رأفت : اطمئن, ستنسى سريعا بعد أن تطلق زوجتك وتجدك حرا من جديد
      قال تامر ونظرة ماكرة تتراقص في عينيه : أم أنك لن تطلقها؟
      نظرت اليه صامتا لا أدري ماذا أقول, فقال بتخابث : لم تخبرنا بعد, هل وجدتها جميلة, أم قبيحة؟
      قلت بارتباك : لا, لا انها جميلة, لا بد أن تكون كذلك
      نهض وليد فجأة من كرسيه وهو يقول بتأفف : هل سنقضي الليلة في الكلام عن هذا الموضوع؟ شادي, أريدك في خدمة لي ذهبت معه وأنا شاكر له للغاية أن أنقذني منهم
      خرجنا من النادي وتمشينا معا نحو موقف السيارات, وقلت متسائلا: لم أنت صامت؟ ألم تكن تريدني في شيء؟
      قال ببساطة: لا, لم أكن أريدك في شيء, ولكني شعرت أنك بحاجة للخلاص من الموقف, فأردت أن أساعدك للخروج من هناك ابتسمت مقدرا ما فعله, لا زال وليد هو الأقرب وجدانيا الى أكثر من أي شخص آخر أكثر حتى من تامر شريكي, فعلاقتنا في العمل مادية أكثر منها معنوية, وخارج العمل لا يجمعنا سوى المرح واللهو, لكن يظل وليد هو صديقي الحقيقي الذي يفهمني بسرعة قلت له بغرض السؤال عن أحواله : كيف حالك مع رانيا؟
      قال بإحباط : لا شيء, لقد انتهت تلك القصة منذ زمن
      قلت باستغراب: كيف تستسلم بتلك السهولة؟ وبعد كل هذا الحب؟ لقد كانت قصة حبكما مضرب المثل في النادي قال بلهجة يائسة : مثلها مثل أية قصة حب أخرى فشلت في النهاية وانتهت
      تركت الكلام في هذا الموضوع, فلم أشأ أن أثقل عليه, فوليد هو الرومانسي الوحيد بين أفراد شلتنا, وكم كنا نسخر منه بسبب رومانسيته الزائدة, والآن بعد صدمته في حبه الكبير, أصبح مثلنا تماما, لا يهمه شيء سوى المتعة
      وصلنا حيث ركنت سيارتي فقال بسرعة: سلام
      قلت : إلى أين؟
      قال : سأعود إليهم فلم يعد لي غيرهم
      لوحت إليه بيدي مودعا, لكنه استوقفني وأنا في السيارة : شادي
      نظرت إليه باهتمام فقال : هل صحيح أنها مقلب كبير؟
      ابتسمت له فبادلني الابتسام بصمت وانطلقت بسيارتي وطوال الطريق وفي ذهني فكرة تلح على, ماذا صنعت لي من أطايب الطعام على العشاء؟ وما الذي ستلبسه ونحن نتعشى سويا؟ وأي ألوان ستختار؟
      ثم عاد تفكيري يشرد وبدأ يهاجمني الضيق عندما تذكرت أنني لن أسمع منها أية كلمة
      ترى, كيف ستكون تلك المرأة إذا ما تكلمت؟ وكيف الحال إذا ما جرت كلمات الحب على لسانها؟ كان صمتها هو أكثر ما يضايقني ترى كيف ستكون العلاقة بيننا إذا ما انطلق لسانها وعبرت بحرية عن مشاعرها؟
      كان شادي شاردا تماما وهو يتحدث عنها, وارتسمت في عينيه نظرة لا يمكن أن تفسر إلا بتفسير واحد فقط, فسألته سؤال مفاجئ : لم لم تجب على سؤال تامر؟
      عقد حاجبيه بتساؤل: أي سؤال
      قلت : هل تنوي أن تطلقها أم لا؟
      قال بعد تفكير : لم تسألني هذا السؤال؟
      قلت : لأنني قضيت أربعة أشهر كاملة في انتظار نبأ الطلاق وأنا أتساءل كلما مر على يوم جديد ولم يصلني النبأ الذي أتوقعه : ما هذا الفتى! لقد حقق كل ما تمناه, كسر أنفها وسيطر عليها وأذلها, فلم يبقي عليها حتى الآن؟
      والآن عرفت السبب, أراه الآن في عينيك
      قال ساخرا : وما الذي تراه في عيناي؟
      قلت بثقة وخبرة : أرى مشاعر جديدة قد بدأت تنبت بداخلك, خلاف مشاعر الانتقام والرغبة في السيطرة قد تكون ميلا, أو إعجابا, أو أنك قد أدركت أخيرا أنك قد حزت شيئا ثمينا ومن الخبل التفريط فيه بهذه السهولة أعلم طبيعة حفيدي جيدا, فهو عندما يعجز عن إيجاد رد مناسب على كلامي يصمت تماما, وأفهم أنا أنني قد أصبت شيئا بداخله وهذه المرة خرس لسانه, وبقيت أفكر ماذا يمكن أن أقول له ليحفظ النعمة التي هبطت عليه من السماء؟
      لكني فجأة انتابتني رغبة قوية فصارحته بها على الفور : شادي, لو طلبت منك طلب فهل تنفذه من أجلي؟
      قال كعادته : بالطبع يا جدي, تعلم أننا أصدقاء من زمن وأنا أحبك
      قلت بضيق : لا تكرر هذه الجملة أمامي, فأنا أتشاءم منها
      قال : حسنا. جرب أن تطلب أي شيء
      قلت بلهفة : أريد أن أراها
      قال بتساؤل : من تقصد؟
      قلت : زوجتك يا بني آدم, هل فقدت الذاكرة؟
      قال بتردد : ولكني وعدتها ألا يراها غيري, إنها تخفي نفسها عن كل عين, حتى أنها لم تغادر البيت منذ أن تزوجنا إلى الآن حتى أهلها انقطعت عنهم, فلم أرى أحد منهم من يوم الزواج
      قلت بغيظ : أتغار عليها مني يا متخلف!!!
      وهل أنا غريب عنها؟ أنا حموها, ولا حرج أن أكلمها أو أرى وجهها
      قال وهو يستعد للرحيل : حسنا, أعدك أن أخبرها, ولكن إن لم تأتي فاعلم أنها رفضت
      قلت بثقة : اطمئن, فتاة بهذا الخلق لا يمكن أن ترفض دعوة من حموها.....

    9. #9
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (9)

      (للمرة الثانية صدق توقعك)
      هكذا قال لي شادي وهو سعيد عندما زارني في الدار بعد عدة أيام قليلة
      قال بمرح : لقد وافقت بسهولة ودون اعتراض, وقالت لي كعادتها كما تريد, وها هي أمامك
      وقفت أتأملها بسعادة, فبرغم أنها كانت مغطاة الوجه لكن جمالها كان يبدو لي حتى من خلف نقابها, ربما يبدو لي أنا فقط من خلال عيون شادي أنا الذي أعرفها حق المعرفة وأعرف أخلاقها وأعرف جمالها من خلال الصورة التي ألقاها شادي في عقلي بكلامه عنها
      جلسنا حول إحدى الطاولات في ركن بعيد من أركان الحديقة, وسألها شادي : ألن تخلعي النقاب؟ إن جدي ليس بغريب دارت عيناها في المكان, ثم قالت بهدوء : كنت سأفعل, ولكن المكان غير مناسب فهمت ماذا تعني, فقلت لها : ربما لو جلست في مقعدي أصبح الأمر أسهل
      تبادلنا المقاعد فأصبح ظهرها للحديقة المليء بالزائرين والمقيمين, ووجهها لسور الحديقة المكسو بالأشجار وهنا فقط رفعت نقابها لأجد خلفه أجمل ابتسامة ود مشرقة, وأدركت من تعبير الدهشة الذي ارتسم على وجه الأحمق حفيدي أنه لم يحظ منها ولو بجزء صغير من تلك الابتسامة الجميلة قلت بصدق : إن ما أخبرني به شادي عنك هو أقل من الحقيقة بكثير, خفتت ابتسامتها قليلا, لكنها قالت بود : أنا سعيدة للغاية أنني التقيت بك, انه حقا شرف لي, وأرجو أن تسمح لي أن أناديك جدي
      قلت بود خالص : سأحزن كثيرا ان دعوتني بغير ذلك نظرت إلى الأحمق ضعيف العقل, المسكين حرم نفسه من صوتها الجميل ومن كلماتها الرقيقة الودودة الراقية المجاملة, كان جالسا بجواري مشدوها يتأملها وكأنما لم يرها من قبل, فهتفت به : هل ستقضي اليوم تتفرج علينا؟
      قال وكأنما قد فزع لتوه من نوم طويل : ماذا! وماذا تريدني أن أفعل؟
      قلت: أحضر لنا بعض العصائر نهض ملبيا, فقلت ثانية : وشاي أيضا, وبعض الحلوى
      قال باستسلام : حاضر, أية أوامر أخرى؟
      قلت بفرح : لا تحضر أي شيء مما قلته لك, أحضر لنا غداءا فاخرا, هل سمعتني جيدا, فاخرا جدا اسمع, أحضر لنا كباب وكفتة نظرت الى زوجة حفيدي التي اتسعت ابتسامتها حتى أنارت وجهها وقلت بود : أم أنكى تفضلين أسماكا؟ هل تحبين الدجاج؟
      قالت وقد ضاقت عيناها من فرط اتساع ابتسامتها : سآكل مما تحبه أنت يا جدي
      قلت بسعادة غامرة : أسمعت ما قالت؟
      لم يرد على, فنظرت إليه ووجدته يقف شاردا يحملق فيها بصمت من لا يسمع شيء حوله, أما هي فلم تكن تنظر اليه بل كانت تتأمل المكان حولها بتمعن
      هتفت به: شادي, شادي, هل صمت أذناك؟
      التفت إلى قائلا : نعم, سمعت, أتريد شيئا آخر؟
      قلت بلهجة آمرة: كباب وكفتة من أرقي المحلات, وأكثر من السلطات غادرنا شادي, فسألتها بعد أن هدأ الجو : كيف حال شادي معك؟ هل هو حسن السلوك؟ هل يعاملك معاملة جيدة؟
      لم ترد سوى بكلمة واحدة وعلى وجهها ابتسام دبلوماسية : الحمد لله ثم أتبعتها بسؤال وكأنما تغلق على باب مناقشة علاقتها بشادي, أو حتى الاقتراب منه لحظتها أدركت كم هي ذكية للغاية وحساسة ولا تنزلق بسهولة خلف أية كلمة حانية تقال لها, وأن حياتها الخاصة عصية على الاقتحام هنا فقط, قررت أن أكسب صداقتها بصرف النظر عن علاقتها بحفيدي إن كانت جيدة أم لا أما السؤال الذي سألته فهو : لم لم تطلب الطعام من مطعم الدار؟ أهو سيء, وليس على المستوى المطلوب؟
      أخذت السؤال بظاهرة, وأجبت بطريقة عادية, لكنني لم أفهم المغزى الحقيقي من سؤالها إلا عندما أدركت أنه مجرد بداية لسلسلة متدرجة من الأسئلة التي انتقتها بعناية وبألفاظ غاية في الذكاء والرقي, وكأنما هو حوار يتسلي به اثنان لأول مرة يلتقيان, فأخذت تسأل عن كل جزء من الدار التي أقيم فيها, من الحديقة إلى الحمامات إلى المطبخ والطعام, مرورا بالنزلاء والعاملين والمشرفين, ولم تنسى أن تسألني عن مرضي المزمن وعلاجي وطبيب الدار الذي يباشرني إلى أن وصلت في النهاية إلى السؤال الذي كان هو الهدف الأساسي الذي قطعت له كل هذا الطريق من الأسئلة والحوار الودود
      فقد سألتني في النهاية : هل أنت مرتاح في هذا المكان يا جدي؟ هل هو حقا الأنسب لك
      صمت ولم أرد, فقد كنت متعجبا للغاية, فالفتاة الشابة التي ألتقيها لأول مرة في حياتي سألتني سؤالا لم يسأله لي حفيدي الذي هو زوجها, بل لم يسأله ابني الذي خرجت من بيته شبه مطرود من سنوات لم يهتم أي من أفراد عائلتي أن يسألني ذلك السؤال البسيط, (هل أنت مرتاح في هذا المكان؟)
      وما جعلني أكثر تعجبا أن الفتاة بذلت جهدا كبيرا, وأدارت حوارا طويلا, حتى يأتي السؤال بصورة طبيعية دون أن يجرح مشاعري لم أجيب على السؤال, فقد وصل البائس المعتوه بالطعام, والتهينا فيه وفي التحدث في مواضيع عامة, لكن ذهني كان مشغولا تماما بحفيدي, أيمكن أن يكون ذلك المسكين قد خسر قلب تلك الحورية التي من قلب الجنة؟
      عندما كان يحكي لي عنها ظننت أن برها وطيبتها وحنانها وخلقها لأهلها وعائلتها فقط
      لكن ما رأيته اليوم منها كان يفوق تصوري, فهي تهتم وتتأثر وتحنو ليس فقط على أقربائها, بل على أنا أيضا مسكين شادي.. أين هو من كل هذا الحنان والرحمة التي تنضح من جوارحها على الآخرين!!! هل له نصيب من كل هذا, أم أنه قد حرم نفسه بغبائه لتتحول الحياة بينهما الى روتين جامد بلا مشاعر حقيقية كان النهار الذي قضيته بصحبة هذين الشابين هو أجمل ساعات مرت على منذ زمن طويل, طويل للغاية فلأول مرة أشعر بأن هناك أحد يهتم لي ويحنو على ويحرص على صحبتي يهتم إن كنت سعيدا ومرتاحا أم لا ولو حتى كان مجرد سؤال في نهاية اليوم, دعتني لزيارتها في بيتها, وألحت على بقوة أن تكون الزيارة قريبا
      كنت سعيد للغاية بدعوتها, لكن هذا لم يمنع عقلى من التفكير من جديد في أن الدعوة لم تأتيني من حفيدي, بل منها هي لذلك قررت في نفسي ألا أدخل بيت حفيدي أبدا حتى لو حاول أن يحسن موقفه أمامها ويقول جملته التي تعفنت من كثرة تكرارها : يجب أن تأتي, تذكر أننا أصدقاء منذ زمن وأنا أحبك نظرت إليه نظرة فهمها هو جيدا, مفادها أنني لن أدخل لك بيتا أبدا ما حييت, فصمت تماما وبدا عليه الإحراج لكنني انهرت في لحظة واحدة أمامها, وبدلت رأيي من أجلها, وألقيت بقراراتي عرض الحائط عندما سلمت على بحرارة وانحنت أمامي وطبعت قبلة احترام وتقدير على ظهر يدي وهي تقول : سأنتظرك يا جدي, لقد وعدتني ولن تخلف وعدك, أليس كذلك؟
      من المستحيل فعليا أن أقابل فتاة تحمل هذا الخلق الرفيع والذكاء الطيب والروح الرحيمة الحنون وأرفض لها أول طلب تطلبه مني قلت وأنا أخفي الدمع بين جفوني : سآتي, حتما سآتي
      نظرت إلى الأحمق زاجرا : ليس من أجلك, بل من أجل تلك الحورية من الحور العين والتي ضلت طريقها الى الجنة لتهبط في بيتك أنت أيها البائس الفقير....

    10. #10
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (10)

      تململت ولاء في جلستها وظهر في وجهها عدم الرضا
      فسألها عم محمد: ما بك؟ هل هناك ما يسوء؟
      قالت : لا يعجبني هذا
      قال : وما الذي لا يعجبك؟
      قالت : تحويل البشر إلى ملائكة لا يخطئون, وإضفاء صفات الملائكة عليهم, البشر خطاءين, مهما بلغت نسبة التزامهم واقترابهم من الله
      قال بهدوء: سأسألك سؤال: عندما تحبين شخصا ما, كيف يكون هذا الشخص من وجهة نظرك؟
      قالت بسرعة : ملاك نازل من السماء
      قال : هكذا كانت فاطمة في عيني, حورية من الحور العين حظي بها حفيدي إن الحب يصغر العيوب إلى درجة أن ننسى وجودها
      قالت بعدم اقتناع : ولكنك لم تلتقيها سوى يوم واحد فقط
      قال : هل سبق لك أن أحببت شخصا بلا سبب بمجرد أن قابلتيه لأول مرة
      قالت : حدث لي ذلك مرات عدة, وخاصة مع الأطفال
      قال : إذا فالحب لا أسباب محددة له, بل هو هبة من عند الله يهبها لعباده الصالحين ومن يحبهم
      فكما جاء في الحديث الشريف
      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إذا أحب الله تعالى العبد، نادي جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض )) متفق عليه
      وكما قال عن موسى عليه السلام ((وألقيت عليك محبة مني))
      إن فاطمة من هذا النوع, أضيفي لهذا شخصيتها الرائعة وصفاتها الحميدة وحنوها على الآخرين
      قالت : بالتأكيد هي أيضا لها أخطاؤها, يكفي أنها لا تعامل زوجها كما يجب أن يكون
      قال عم محمد بدهشة : ومن قال هذا!
      ولاء : أنت قلت, وهو قال لك أنها في البيت صامته هادئة إلى درجة الموت, وفي الخارج متحدثة لبقة وشخصية رائعة وصوت شجي, أليس هذا تناقض!
      عم محمد : ألم يخطر ببالك أنه قد يكون هو المسئول عما وصلت إليه العلاقة بينهما؟
      قالت : بالتأكيد, ولكن بعد مرور شهور على الزواج أصبح الاثنين من مسئوليتهما إنجاح الزواج واستقرار البيت, وإذا كانت متدينة فعلا يقع عليها العبء الأكبر في إصلاح الأمور, كان عليها أن تستغل أنه بدأ يميل إليها ويسلم لها مفاتيح قلبه
      قال بابتسامة : لا زلتي متسرعة, لا تحكمي على الأمور بظاهرها
      قالت مستسلمة : حسنا, وماذا أفعل الآن؟
      قال : تسكتي تماما وتدعيني أكمل الحكاية
      قالت بمرح : سمعا وطاعة, أكمل يا عماه
      أكمل الحكاية قائلا : لبيت الدعوة سريعا بعد عدة أيام, وكانت صاحبة البيت مضيافة ومتحدثة لبقة وربة بيت ماهرة تحسن تضييف الضيف, كانت تعاملني بحفاوة كبيرة كما لو كنت أقرب أقربائها, لكن ما حز في نفسي أن حفيدي كان صامتا تماما, يكتفي بمراقبة ما أمامه ببرود, أما هي, كانت تبدو عادية معه ولو لم أكن أعلم ما بينهما لمر الأمر عاديا دون حتى أن التفت اليه, ولكن الصوره المسبقة التي في رأسي جعلتني أعد الكلمات والحركات والشاردة والواردة وكأنما أحاول التأكد من كلام حفيدي عنها, لذلك فقد لاحظت أنها حقا مقلة معه في الحديث فلم تحدثه بربع الكلمات التي تحدثت معي بها ويمر الوقت الساعة تلو الأخرى وكلما حاولت الاستئذان للرحيل, أجدها قد حاصرتني بأسلوبها اللبق وكلماتها اللطيفة, وتبقيني بحجج واهية وأنا مستسلم لها مستمتع بصحبتها وكلما نظرت إليها تهاجمني أمنية حسيرة تظل معلقة في قلبي لا أستطيع البوح بها, فقط لو أن هذه الفتاة الرائعة من دمي,أي ابنتي أو حفيدتي, ثم أتذكر أنها زوجة حفيدي الفتى الضائع أحبه نعم, ولكني استخسرها فيه, وأدركت أن الأمنية لو تحققت بالفعل وأن هذه الفتاة كانت من دمي حقا,لما رضيت به زوجا لها, فالواقع المرير أنه لا يستحقها أبدا دخل الليل, وعلى المغادرة والعودة إلى الدار, ولكن في قراره نفسي أستأنس بصحبتهما كثيرا وأتمنى لو طالت أكثر, ولكن على الرحيل حاولت هذه المرة أن أكون حازما قدر ما أستطيع وأرفض دعوتها الكريمة بالبقاء وقضاء الليل في غرفة الضيوف حقا حاولت بجدية, لكنها كانت قوية في دعوتها وتمسكها برأيها, وأصرت ألا أرحل ليلا, فالنهار له عينان كما قالت, وأنها فقط مسافة الليل القصير نظرت إلى حفيدي الأبله الذي لم ينطق بكلمة واحدة, ولم يعلق على كلامها بالرفض أو القبول وتعجبت تماما, شادي الذي لم يكن أحد يستطيع فرض شيء عليه, وأن صوته من رأسه كما كان دائما يقول, ولكم كان عناده سببا في تفجر الكثير من المشكلات في محيط العائلة لم يعترض ولو بكلمة واحدة على رأيها ولم يؤيده أيضا, بل تركها تفعل ما تشاء وأنا أيضا تركتها تفعل ما تشاء وقضيت الليلة في حجرة الضيوف بعد أن جهزتها لى ولم تكف لحظة عن سؤالي : أينقص شيء؟ أتحتاج إلى شيء؟
      وابتسامتها الواسعة الممتلئة بالحفاوة والحنان قبل كل هذا وبعده وقضيت الليل سعيدا هانئا وأنا أشعر بأن هناك من يهتم بي ويحنو على ويقدم لى ما يستطيع ليسعدني بعد أن أصبحت شيخا مسنا على هامش الحياة لا يحتاجني أحد, ولا يسعى إلى أحد لحاجة له
      إنما هذه الفتاة تفعل كل هذا وهي تدري أنها لن تكسب من ورائي شيء كنت حقا سعيدا للغاية وحظيت بنوم هادئ عميق لكن في نفس البيت هناك من كان قلقا والدهشة تغرقه, فلأول مرة يرى الأحمق ذلك الوجه الجديد من زوجته, وكما روى لى فيما بعد أحداث هذه الليلة التى لا يمكن أن أنساها فقد بدأها بسؤال وهى تجلس بجواره على الفراش بعد أن استعدت للنوم وتوقع كعادتها ألا تجيبه سوى بكلمة أو كلمتين فقط : يبدو أنك قد انسجمتي مع جدي؟
      لكنها بدلا من أن تجيب على سؤاله, سألته سؤال مفاجئ لم يكن يتوقعه: هل ستترك جدك يعيش وحده في دار المسنين؟
      فوجئ تماما بسؤالها الغريب, فلأول مرة يثير أحد أمامه ذلك الموضوع وبتلك الطريقة
      قال بعد صمت حاول فيه أن يستوعب الأمر جيدا ويجيب بحيث لا تصبح إجابته مثارا للانتقاد : وما الخطأ في ذلك؟ إنه يعيش هناك منذ سنوات, وهو سعيد ومرتاح, كما أنه لم يشتكي أو حتى يطلب أن يعود إلى بيت ابنه قالت بجدية : لكنه غير مرتاح هناك ولا سعيد, كما أنه مريض كما عرفت منكما بمرض مزمن, ويحتاج لمن يراعيه في شيخوخته وينظم له جرعات الدواء ويهتم به وبصحته, على الأقل إن اشتدت عليه أعراض المرض فلا يجب أن يجد نفسه وحيدا بين أغراب
      قال بدهشة : كيف تفكرين في كل هذا, إن أهله وعائلته لا يفكرون بهذه الطريقة
      صمتت ولم ترد, وصمت هو بدوره تاركا مساحة واسعة لعقله يفكر فيها, ولكنه قال بعد مدة : وماذا يمكن أن أفعل أنا! إن العلاقات متوترة للغاية بينه وبين أمي, ولن يقبل بالعيش معها ثانية, وهي أيضا ترفض عودته للبيت أما أنا فلا يمكن أن أتدخل فهي لن تقبل مني أية كلمة, فهي تقاطعني منذ..منذ...
      صمت ولم يكمل, لكن الكلام واضح ولا يحتمل سوى تأويل واحد
      زفر بضيق ثم قال : خلاصة الموقف أنه ليس بيدي شيء لأقدمه له
      قالت بهدوء : على العكس, بيدك أشياء كثيرة لم يفهم ماذا تقصد, أو لم يكن يتخيل ما ستقوله أو يخطر له ببال, فقال متسائلا : مثل ماذا؟
      قالت : بيديك بيت واسع يمكن أن يضمه, بيديك حب ورعاية تستطيع أن تقدمها له, على الأقل لو هاجمته أزمة مفاجئة ليلا فسيجد من يجرى ويتعب ليحضر له الطبيب والدواء
      قال بذهول : أتقصدين أن يعيش معنا هنا!!!!!
      هذا لا يمكن
      قالت بهدوء : ولكنى أراه الحل الوحيد المنطقي للأمر, فهو يحبك ويعتبرك أقرب أحفاده اليه, بل أقرب إنسان له في عائلته, وأنت أنعم الله عليك بالمسكن الواسع والسعة في الرزق فما المانع؟
      هتف بانفعال : لا يمكن, إن ما تقولينه مستحيل
      صمت قليلا ثم تذكر شيء قد يفلح في إثنائها عن رأيها: وأنت, أنت كيف ستتحملينه؟ هل ستقضين نهارك وليلك في تمريض رجل مسن
      قالت مباشرة وبشكل قاطع أدهشه كثيرا : أنا موافقة
      صمت من المفاجأة, ثم بدأ يغلي بالغضب الغير مبرر, وقال بحدة وهو يحاول قدر ما يستطيع أن يخفض صوته حتى لا يخرج من غرفتهما: أنا لا أفهم!!! لا أفهمك !! لا أفهمك أبدا!!!! كيف تفكرين بهذه الطريقة وتتصرفين مثل هذه التصرفات؟
      ليس هناك فتاة في عمرك تفعل هذا!!
      قالت بهدوء مستفز : على العكس, هناك ملايين من الرجال والنساء يفكرون بهذه الطريقة ويتصرفون هكذا, بل ويعتبرون أن مثل هذه التصرفات هي الواجب والأصول, ولكن يبدو أنك لم تقابل أي منهم
      قال بعناد : الفتيات عادة يفضلن الحياة في بيتهن وحدهن دون أن ينغص عيشهن أحد
      قالت ببرود : ربما في وسطك الذي تعيش فيه, ولكن في وسطي الفقير المتواضع لم يعد هذا من أولويات الفتاة, واعلم أن أختي تزوجت في غرفة واحدة في شقة عائلة زوجها التي مساحتها أقل من مساحة هذه الشقة التي نعيش فيها, ولديها طفلان وهي تعيش سعيدة, ولم أسمعها يوما تشكو وهذا الرجل المسن المريض النائم في غرفة الضيوف هو حموي, ومن أول واجباتي كزوجة أن أساعد زوجي على بر ذوي رحمه ورعاية أهله صمت ولم يستطع الرد بعد أن أفحمته من جديد, وصمتت هي أيضا في انتظار أن يعمل عقله في الأمر ويقلبه على كافة الأوجه
      لكن عناده هزم عقله, فقال بانفعال: لا, لا يمكن, لن أواقف, سأجد حلا آخر, أما ما تقولينه فهو مرفوض بصورة قاطعة, سأدفع له أجر ممرضة تمرضه, أو خادمة تخدمه
      قالت بهدوء شديد محاولة امتصاص غضبه: رائع, هذا حل مثالي
      هدأ قليلا واسترخى في الفراش, فأكملت هي بهدوء أشد : وما المانع أن تفعل هذا وأنت تضمه تحت سقف بيتك نظر إليها بذهول غاضب فأكملت هي دون أدنى انفعال : يبدو أنك تعلم جيدا من أين ينفق جدك, وهل تكفيه نفقاته وموارده المالية, أم يعيش على الكفاف دون أن يشكو
      هاجمته رغبة ملحة أن يصرخ في وجهها, أن يعبر عن غضبه العنيف من كلماتها, أن يقول حتى (لا شأن لك)
      لكن شيء في كلماتها أو أسلوبها عقد لسانه وألجمه تماما فصار أخرسا أمامها كل ما فعله هو أن أزاح الغطاء بعصبية واعتدل في الفراش متحفزا لمعركة معها لكنه لم يستطع أن ينطق أبدا, واستغلت هي صمته جيدا فقالت بأسلوبها الهادئ : أتدري, عندما كنا عنده في الدار, ذهبت الى دورة المياه لأغسل يدي بعد الطعام, وعندما وصلت إلى مبنى الإدارة سمعت العاملين هناك يتحدثون بصوت مرتفع عن نزيل في الدار مات من أسبوعين, مات ليلا ولم يدرى عنه أحد إلا في صباح اليوم التالي, مات وحيدا هل تعتقد أن قصة كهذه يمكن أن تؤثر في نفسية جدك, أم أنه لا يبالي مثل الآخرين!
      أخيرا استطاع أن ينطق فقال بلهجة تمتلئ استغراب ومرارة في نفس الوقت : لماذا! لماذا تفعلين كل هذا!!!
      قالت بجدية : لأن هذا من حسن البر
      هتف بضيق : لكن ابنه وعائلته لا يهتمون كما تهتمين أنت! إنه ليس من عائلتك ولا من دمك, ولن يلومك أحد إن لم تفعلي هذا!
      قالت بعمق: لا أبالى كثيرا بلوم الآخرين, فكل نفس بما كسبت رهينة
      هتف بغضب وشعور بالدونية بدأ يغزو أعماقه ويتسبب له في غضب عارم يطغى على عقله : هلا كلمتينى بالعربي قالت وهي تفكر في طريقة تفهمه بها : عربي! امممم
      أخذت نفس عميق ثم قالت دون أدنى انفعال : الأمر ببساطة هو أن عليك أن تشتري قطعة أرض صغيرة في مكان جميل وراقي, وتبنيها على أحدث طراز, وتؤثثها بأفضل أثاث, وتستأجر لها مجموعة منتقاة من أفضل الموظفين والعاملين والمشرفين وتصنع منها دارا للمسنين جميلة ومريحة لتؤويك عندما تكبر ويتخلى عنك الجميع أحلاما سعيدة ونوم هانئ
      أدارت وجهها ووضعت رأسها على الوسادة وهدأت تماما وتركته يغلي وينتفض من الغيظ
      تعجب عندما نظر الى الساعة الموضوعة على الطاولة الصغيرة التي بجوار الفراش وقد وجد الوقت قد تأخر كثيرا, فضحك ضحكة هازئة قصيرة تمتلئ بالسخرية المريرة والغيظ : يا الهي! لو جمعت عدد الكلمات التي سمعتها منك منذ أن تزوجنا من أربعة أشهر لعددتها على أصابعي, والآن نحن نتناقش منذ أكثر من ساعة ونصف, ولم يكف لسانك عن الكلام والمجادلة
      ولكني أحب أن أطمئنك, لست بهذه الدونية لأترك جدي جائعا في دار للمسنين بلا مال
      جدي يدفع إيجار الدار بانتظام و معاشه وأملاكه يضمنون له حياة كريمة لمدة طويلة كما أن عمي عرض عليه أكثر من مرة أن يرسل له تأشيرة هجرة ليعيش معه في الخارج, لكنه يرفض أن يغادر مصر, لديه كل الفرص ليختار أين سيعيش, في بيته أم في بيت ابي, أو عند عمي أو في الدار قالت بحسم دون أن تلتفت إليه : هو لديه الفرصة ليختار, أما أنت فقد اخترت بالفعل
      كاد أن يستمر في الجدال لكنه لم يستطع, ففضل أن يصمت, فهذه الفتاة التي ترقد بجواره لا حل لها, إن أرادت الصمت لما استطاع مخلوق أن يخرج منها كلمة, وإن أرادت الكلام والجدال فلن يستطيع الانتصار على منطقها وحجتها أبدا ألقى برأسه على الوسادة لكن النوم أبى أن يأتيه
      كانت كلماتها تدور في رأسه تحرك عروق القلق والغضب والغيظ, وما أثار غيظه الشديد هو أن أول مرة ينطلق لسانها معه يكون هذا الحوار السخيف والجدل المثير للأعصاب لكن آخر كلمة قالتها هي التي ظلت في عقله حتى الصباح(أما أنت فقد اخترت بالفعل)
      ما الذي اختاره؟ وما علاقته هو ليختار لجده أو يفرض عليه رأيه؟
      لكنه في النهاية توصل لمعنى أطار النوم من عينيه وأشعل الضيق والغيظ في قلبه, هل كانت تقصد أنك قد اخترت أن تتخلص من جدك وتلقي بعبئه إلى آخرين ولو كانوا غرباء عنه؟
      لو وضع تلك الجملة إلى جانب بقية الجمل التي كانت ترشقه بها منذ بداية الحوار لصار الأمر كقطعة بازل ناقصة في لوحة لن تكتمل إلا بها
      وأخيرا هزمه النوم...

    11. #11
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (11)

      أخيرا هزمه النوم, لكنه لم يستمتع به, ولم يشبع منه, ففي الصباح

      الباكر أيقظته يداها, تمنى لو صرخ في وجهها, أو صفعها, أو خنقها بيديه, فهي التي أطارت النوم من عينيه طوال الليل, وهي الآن التي تحرمه من الاستمتاع به لكنه من جديد يصمت أمام ذلك الوجه الصبوح, ورغم أنها نادرا ما كانت تبتسم, إلا أن جمال عينيها وحده بألف ابتسامة
      قالت بصوت هامس قلق : عليك أن تنهض الآن قال وهو يحاول أن يفتح عيناه بصعوبة : ماذا حدث؟
      قالت باهتمام : جدك يستعد للرحيل الآن اعتدل في الفراش وأزاح الغطاء وأخذ يفرك في عينيه وهو يسألها : لم! كم الساعة الآن؟
      قالت: الثامنة
      ثم أكملت بصوتها الهامس ولكن بحزم : عليك أن تستبقيه, إنه حتى لم يتناول إفطاره, لم يشرب كوبا من الشاي كان عليه العودة للنوم من جديد, فهو أكثر من يعرف عناد جده وتصلب رأيه, لن يستطيع أن يثنيه عن إصراره, كما أنه لم يأخذ قراره بعد في حديث ليلة أمس
      لكن شيء ما منعه من النوم, أهو صوتها الهامس الآمر الذي لا يقاوم! أم جمالها الآسر!
      أم تلك الصورة الجديدة التي رآها عليها ليلة أمس, صورة المناضل العنيد الذي يدافع عما يؤمن به باستماتة لم يعلو صوتها, ولم تغضب, ولم تتلفظ بأي لفظ عنيف, كانت هادئة إلى أبعد الحدود, ولكنها أيضا كانت قوية وعنيدة في تمسكها برأيها صورة أشبه بالصورة التي رآها عليها أول مرة, ولكن مشاعره هذه المرة مختلفة تماما, لم يعد بداخله أية رغبة للانتقام على العكس, كانت هناك مجموعة كبيرة من المشاعر عجز أن يحدد أي منها أو حتى يفهمه, كان كل شيء مختلط في عقله, لكن ما وضح إليه في تلك اللحظة هو أنه مستحيل أن يؤذيها أو يجرح مشاعرها , كان مستسلما ليديها بشكل عجيب وهي تجره من الفراش وتدفعه نحو الحمام ليغسل وجهه ويفتح عيناه ويفيق أسند كفاه إلى طرفي الحوض, وفتح الصنبور وسال الماء أمامه, لكنه لم يتحرك وأغمض عيناه ولما وجدته هي ساكنا وعيناه مغمضتان, أخذت تحثه بكلماتها : هيا, جدك سيرحل الآن,سيخرج إن لم توقفه لم يبدو عليه أية حركة, كان الدوار الذي في رأسه يبقي عيناه مغمضتان, ولم تجد هي حلا إلا أن تملأ كفها بالماء وتنضح على وجهه برفق
      انتفض من المفاجأة وفتح عيناه على وسعهما, فلم يتوقع أبدا تصرفا كهذا يصدر منها
      هتف محاولا إبعاد يديها : حسنا, حسنا لقد استيقظت لكنها استمرت تنضح الماء على وجهه بإصرار, وكفها يمسح وجهه حتى تأكدت أنه أفاق
      أغلقت الصنبور وسحبت المنشفة من خلفها وناولتها إياه, فتناولها منها ووقف ساكنا لا يتحرك ووجهه يقطر بالماء كان شاردا يتأمل ذلك الوجه الملائكي وهو يفكر في كلامها وتصرفاتها
      وبقدر تعجبه من تصرفها هذا الذي قامت به لأول مرة, لكنه كان متعجبا أكثر من نفسه, كيف سكت ولم ينفعل أو يغضب والماء البارد يجري على وجهه بعد أن أيقظته من نومه الذي لم يهنأ به؟
      والأشد عجبا هو استسلامه التام لها ولما تطلبه منه دون أن يستطيع الاعتراض وكأنما هو منوم مغناطيسيا أرادها أن تظل واقفة أمامه لأطول وقت ممكن, أراد أن يستمتع بتأمل تلك الملامح الوديعة دون أن يعكر صفوها خوف أو غضب أو ضيق أو قلق لكنها قطعت عليه لحظات شروده قائلة : هلا انتهيت من فضلك, أخشى أن يكون جدك قد وصل إلى سلم العمارة
      خرجت من الحمام , وأمسك هو بالمنشفة وأخذ يجفف وجهه بعصبية وشعور بالضيق يستولي عليه خرج خلفها بصمت, وألقى بالمنشفة على الفراش, وخرج إلى الصالة ليجدني, وقد ارتديت حلتي استعدادا للرحيل هتف بي : يا جدي, ما هذا البكور!ألن تنتظر حتى نتناول إفطارنا سويا؟
      التفتت فاطمة إليه وعلى وجهها تعبير غاضب أخفته سريعا حتى لا ألاحظه, واندفعت تقول بإصرار: أخبرني يا جدي بصدق, هل ضايقك شيء وأنت هنا معنا؟
      قلت بدهشة: بالتأكيد لا
      قالت برجاء: هل أزعجناك أو تثاقلنا عليك
      قلت: لا يا صغيرتي, لم تقولين هذا!
      قالت : إذا فأنت لا زلت تعتبرني غريبة عنك
      قلت نافيا: تعلمين أن هذا ليس صحيحا
      قالت بعتب : إذا لم تريد أن تتركنا وترحل؟ إن مكانك هنا, وإن لم تحملك الأرض فمكانتك في قلوبنا وعيوننا عظيمة يا إلهي! كيف يمكنني مقاومة ذلك الأسلوب الآسر!!!
      صمت تماما أمامها محاولا السيطرة باستماتة على ذلك الشلال الهادر من مشاعر الأبوة الذي انفجر في قلبي تجاهها بعد أن ظننت أنه نضب تماما في السنوات الأخيرة, وابتلعت الدمعة التي تصر على الخروج من بين جفوني, ويبدو أن شادي أيضا تأثر فقال جملته العقيمة التي طالما كرهتها : جدي, عليك أن تبقى, تعلم أننا أصدقاء منذ زمن وأنا أحبك نظرت إليه نظرة يفهمها هو جيدا, وقلت في محاولة يائسة لإيجاد أي تبرير يخرجني من البيت (وكنت أتمنى غير ذلك) : أعلم طبع حفيدي جيدا, يحب الحرية في بيته ولا يريد لأحد أن يقيده بشيء انتفض شادي وقال بسخرية تمتلئ بالغيظ الشديد : شكرا, شكرا, أسديت إلى خدمة عظيمة, وأكدت الصورة التي في ذهنها عني ضحكت ولاء بشدة, فأكمل الجد مبررا : وقتها لم أكن أعلم ما دار بينهما بسببي أثناء الليل, ولم أكن أدرك أنني بهذا أصنع منه صورة غاية في السوء في عينيها ولكني استنتجت ذلك من خلال كلماته المغتاظة
      أما هي فلم تبالي بكل هذا, بل ازداد إصرارها وتمسكها بموقفها وهي تقول : جدي, أرجوك, إن كنت حقا تعتبرني من أسرتك ولست بغريبة عنك, فيجب أن تبقى معنا من داخلي استسلمت لها تماما قلبا وعقلا, ولكن يبقى شادي
      نظرت إليه متسائلا فقال : نعم, يجب أن تبقى معنا, على الأقل حتى تصلح صورتي أمامها وتفهمها أنني لست نذلا يبيع جده لا أحد يفهم شادي مثلي, وعندما نظرت في عينيه أدركت أنه قد اقتنع بالفعل ببقائي معهما, ولكني استدركت قائلا : لكن أغراضي كلها في الدار, ودوائي, والـ...
      قاطعتني بحماس كبير : شادي سيذهب الآن ويحضر كل أغراضك من الدار
      نظرت إلى شادي الذي بدت عليه علامات الدهشة وقالت : أليس كذلك؟
      قال : هه!! ماذا قلتي, لم أسمع جيدا؟
      ردت بسرعة : أقول أنك ستذهب الآن إلى الدار وتحضر الأغراض
      قال بتمثيل : لم أسمعك جيدا ولكن أظن أنكي قلتي شيئا قبل هذه الجملة
      قلت : ما بك, هل صمت أذناك؟
      هتف : انتظرني قليلا, لقد هلت بركاتك على هذا البيت من أول يوم, فلأول مرة أسمع اسمي يتردد هنا وبهذه الطريقة....

    12. #12
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة (12)

      نعم, ما كنت أتخيل أبدا أن الحياة بينهما على تلك الصورة, روتينية الى أبعد الحدود وخالية تماما من دفء المشاعر
      ويوما بعد يوم كنت أفهم أن اعتراض شادي على وجودي لم يكن رفضا لي, بل ربما أنه لا يريدني أن أرى المدى الذي وصلت إليه العلاقة بينهما
      علاقة غريبة لم أرى لها مثيلا من قبل, ربما هي أشبه بعلاقة أمة بسيدها من زوجة بزوجها
      كانت طائعة له في كل شيء, ولكن لم يكن هناك تواصل بينهما في المشاعر أو الحوار, كان الكلام بينهما مقطوعا, وإن بدأ هو حوار تقطعه هي
      يظهر بوضوح شذوذ الصورة عندما نتواجد أنا وهو في البيت في نفس الوقت كان الكلام والحديث والحوار كله موجه لي, أما هو فلا يحظى منها بغير كلمة أو كلمتين
      تململت ولاء وظهر في تعبيرات وجهها الضيق وعدم الرضا, لكنها لم تتكلم حتى لا تقطع استرساله في الحكاية لكنه لاحظ ضيقها فقال: ما بك؟ تضايقتي أليس كذلك؟ وإن قلت لكي أننا كنا نتضاحك في أحيان كثيرة ونشاهد التلفاز سويا فأذواقنا متقاربة فيما نشاهده كنا نتناقش طويلا في أخبار العالم والبرامج الحوارية ومواضيعها المثيرة, ونلعب الشطرنج سويا في بعض الأحيان, وكانت تعطيني الدواء بانتظام والحقن بنفسها فقد تدربت عليها عندما كانت تعطي لأبيها الحقن وهو مريض كنا معا نشكل دائرة منسجمة هو خارجها أدركت من كل هذا أن جوارحها فقط معه, أما قلبها وعقلها ففي وادي بعيد تماما عنه, وكان هذا ما يحز في نفسي بشدة, ولكم بت الليالي مؤرق أبحث عن حل لهذه المعضلة, فهو حفيدي الذي أحبه كثيرا ويسعدني ابتعاده عن شلة الفساد التي كانت تلاحقه, فلم يعد يسهر معهم يوميا كما كان, بل يكتفي بيوم أو يومين في الأسبوع لكن تلك البرودة الثلجية التي تسري في حياته قد تجعله يمل ويعود إلى ما كان عليه من قبل وما أهمني أكثر أنه قد يطلقها مثلا, وعندها سأفقد تلك الابنة الحنون التي ظهرت لي على الكبر ولكن, لم أكن أجرؤ أبدا على التدخل في حياتها الشخصية, فبرغم معاملتها الممتازة لى, لكنها لم تناقش أبدا علاقتها بشادي أمامي أو تتحدث عنه, كانت تتعامل مع الأمر بتجاهل غريب, وبعد كل ما فعلته لأجلي, ما كنت لأضايقها أو أقتحم حياتها رغما عنها لكن شادي أظهر لي بعضا مما يعانيه عندما عاد من عمله يوما وسمع صوت ضحكاتها تتردد ونحن نلعب الشطرنج وهو يفتح باب الشقة بمفتاحه, ورأيت في عينيه نظرة غريبة لأول مرة أراها, حاول أن يداريها خلف ابتسامة مفتعلة لم تجدي نفعا جلس بجواري على الأريكة ووضع على الطاولة الصغيرة التي بجوار الأريكة اللابتوب والسترة وسلسلة المفاتيح
      ولاحظت أنا وهو أنها صمتت تماما مع دخوله, قال بصوت بدا لأذني أن فيه رنة يأس قوية : من الجيد أن يدخل الإنسان إلى مكان ويسمع الضحكات تتردد فيه
      نهضت فجأة من كرسيها, فقلت بدهشة : إلى أين؟
      قالت سأعد الغداء بسرعة تناولت السترة والجوال والمفاتيح وأمسكت اللابتوب, ولكنه أمسك معصمها وقال بهدوء فيه رنة رجاء : فلينتظر الغداء, لست جائعا, أكملي دور الشطرنج
      قالت بآلية كبيرة : إنه موعد الغداء
      سحبت معصمها من كفه وحملت أغراضه وذهبت لتضعها مكانها, فهتفت قبل أن تخرج من الغرفة : ودور الشطرنج!!!
      قالت وهي تغلق الباب خلفها : اعتبرني مهزومة
      بمجرد أن أغلقت الباب زفر شادي بضيق كبير قلت بسخرية لم أكن في الواقع أقصدها : ما بال ساحر النساء! أيعجز عن كسب قلب زوجته!!
      قال بسخرية مريرة : يبدو أن سحري نضب, هلا أخبرتني من أين لك بكل هذه الجاذبية! ومن أين أحصل على بعض منها؟
      قلت بدهشة : أنت جاد حقا!!!
      قال بيأس : لا أدري كيف أتصرف معها؟
      قلت بتعاطف: أخبرني يا ولدي, هل هي زوجة صالحة, أم أنها لا تطيعك؟
      قال : أخبرتك من قبل أنها تمارس دورها بمثالية كبيرة, تطيعني نعم, لكنها طاعة كالأفلام القديمة, طاعة سي السيد, أو بمعنى آخر طاعة العبيد أتعلم أنك منذ أن جئت إلى هنا وأنا أكاد لا أعرفها كما لو أن روحها أزهرت وتجددت مشاعرها, أصبحت تضحك وتثرثر وتعبر عن ما تحب وما لا تحب
      قلت : لم لا تغير من أسلوبك معها؟ أين هي شخصيتك؟
      قال بيأس : لا شيء يجدي معها, أنا شادي الذي كانت تجري خلفه أغلب نساء النادي أعجز عن إضحاكها أو إسعادها
      أخبرني كيف تفعل أنت ذلك!!
      قلت وأنا أتألم لأجله من داخلي: كل ما أستطيع أن أقوله لك هو أنها فتاة طبيعية للغاية, قد تكون مختلفة عن كل من عرفتهن قبلا, ولكن انظر في نفسك أنت, ربما يكون أسلوبك هو الغير طبيعي
      هتفت ولاء بغيظ: لا يمكن أن تكون فتاة طبيعية, إن ما تحكيه لهو منتهى التناقض, لا يمكن أن تكون فتاة ملتزمة فاهمة لدينها وتعامل زوجها بهذه الطريقة
      قال برنة حزينة: أتعجبين لتصرفاتها؟
      قالت بغيظ: لا يمكن أن تستمر الحياة هكذا
      قال بأسى : ليت الأمر قد استمر هكذا
      كنت أحدث نفسي كل يوم وأنا أرى فترات صمتها تطول , وبعد أن كانت تجلس بصحبتي أغلب النهار أجدها تنسحب لغرفتها بحجج مختلفة بعد أن تقوم بواجباتها المنزلية على أكمل وجه وتعطيني دوائي وحقني وتسألني كعادتها أتحتاج لشيء؟
      كنت أراها كزهرة تذبل تدريجيا, وحاولت كثيرا أن أسألها عما بها, لكنها كانت تتجنب الحديث بكلمات قليلة مفادها أن ليس بها شيء وكان على الصمت في كل مرة يبدو أن العدوى سرت في البيت كله وأصبح الصمت هو ضيف ثقيل دائم في البيت, لكن ما جعلني أصر على التدخل ومحاولة إصلاح الأمر هو شادي فقد جلس إلى يوما وهي نائمة في غرفتها وسألني : أخبرني بصدق ما بها؟
      حاولت قدر استطاعتي ألا أقسو عليه وأنا أقول : المفترض أن أسألك أنا هذا السؤال, فمن أقرب إليها منك؟
      قال بضيق: لا تريد أن تتكلم
      قلت : أخبرني, ما الذي استجد بينكما لتسوء العلاقة إلى هذه الدرجة؟
      قال بحيرة : الغريب أن العلاقة لم تسوء بيننا, لا زالت كما هي, لكن ما استجد أنها أصبحت شاردة باستمرار, حزينة تماما, حتى أنت لم تعد تتحدث اليك وتضحك وتثرثر كما في السابق
      كما لو أنها, أنـ.., لا أدرى كيف أصفه, ولكني أشعر وكأن شيء ما أظلم بداخلها, وكأن روحها تموت ببطء كنت أستمع إليه مفكرا, ما الذي يمكن أن يفعله ذلك البائس ليحيل تلك المخلوقة الجميلة الطيبة إلى جسد بلا روح لكن ما أهمني أكثر هو ما قاله عنها : أتعلم أنني في أحيان كثيرة أستيقظ ليلا فأجدها تبكي على سجادتها فأتصنع النوم ربما أعرف ما بها فأجدها تتألم في صلاتها وتشكو لربها صدقني لم أعد أحتمل, لقد تكرر هذا الموقف كثيرا, ولا أستطيع حتى أن أواجهها, كنت أظنها تعتبرك صديقا وسوف تصارحك بكل ما يؤلمها, ولكن يبدو أنها أغلقت كل الأبواب والنوافذ بينها وبين الناس
      قلت بإصرار : دع لي هذا الأمر, مهما يكن يجب أن تتحدث الى أحد ما
      ألاحظ أنها لم تغادر البيت أبدا منذ أن جئت عندكم من شهرين
      قال بمرارة : بل منذ أن تزوجنا منذ 6 أشهر لم تغادر البيت مرة واحدة سوى المرة التى زرناك فيها حتى أغراض المنزل من خضر وفاكهة تحضرها زوجة البواب....

    13. #13
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة 13

      هل رأيتي يوما قمرا يبكي؟
      قالت بسرعة: هي أليس كذلك؟
      قال بحزن : نعم, كانت تنتحب أمامي ودموعها تغرق وجهها, وقلبي يتمزق إلى قطع متناثرات, فالقمر يبكي أمامي ولا أدري ما به صمت تماما وتركتها تسكب أمامي آلامها ودموعها التي يبدو أنها أخفتها طويلا, مما جعلني أتساءل : ترى, ماذا سيكون شعور شادي إذا ما رأى ذلك المشهد؟
      هدأت قليلا فقلت بتعاطف : أريحيني يا بنيتي, ماذا فعل بك شادي؟ صدقيني سأآذرك وسأعاقبه عقابا لا يمكن أن يتخيله, فقط أخبريني تنهدت بيأس وأنا عاجز أن أستخرج منها كلمة, لكنني لم أيأس وحاولت من جديد : أعلم أن زواجكما لم يسير بشكل طبيعي من البداية, لقد حكي لي كيف تعرف عليك, وكيف أجبرك على الزواج منه, وأقسم بالله أنني لم أكن موافقا أبدا على هذا الزواج, لقد طلب مني أن أشهد على عقد زواجه وأسانده أمام أسرته, ورفضت رفضت لأنه ليس زواجا أخيرا أفلح الأمر وتكلمت ببطء ودموعها تكسو خديها : منذ أن التقينا لأول مرة وهو يشن على حربا لا أدري لها سببا, لا أعلم بالضبط ما الذي فعلته ليضعني في رأسه ويصر على الانتقام مني!
      صمت تماما وأنصت لها وهي تسترسل في حديثها : قضيت ليالي طويلة أتساءل, ما الذي يضطر إنسان لدفع كل تلك المبالغ ويشترى ديون المحل فقط لينتقم مني فقط بسبب موقف سخيف ومشادة غبية قد يحدث له أكثر منها في أي مكان يدخله
      كنت أعتقد أنه لو تشاجر مع رجل وضربه فلن يفعل به ما فعله بي, مما جعلني أعتقد اعتقادا راسخا أنه فقط يريد إذلالي وتحطيم كرامتي لأنني بالنسبة إليه الطرف الأضعف, وتأكد لي ذلك بعد أن صرح به أمامي أكثر من مرة
      همست وأنا أضغط على أسناني بغيظ: الأحمق, الأرعن!!
      أكملت : كنت مذهولة تماما عندما عرض على الزواج ومعه مفتاح لحل كل مشاكلي المادية, ما الذي يضطره لفعل هذا وما هدفه؟ لا يمكن أن يكون حقا راغبا في الزواج مني لم يكن هناك سبب سوى السبب المعلن دائما في كل لقاء لنا ولا يستطيع أن يخفيه وهو الانتقام مني وإذلالي
      وهناك سبب آخر ظهر مبطنا في أكثر من مرة خلال حديثه وهو أن يكشف وجهي أدركت أنني قد حوصرت أنا وأهلي, وأن على أنا وحدي عبء التصرف واتخذت القرار بأهون الضررين, كنت على يقين بأنني لو رفضت فلن أدفع الثمن وحدي وأن انتقامه سينال أبي وأسرتي
      كما أن المكاسب التي ستأتينني من وراء هذا الزواج هي كل ما تمنيته, لذلك قبلت وأنا أعلم أنه ليس زواجا بقدر ما هو عقد بيع, لقد بعت له نفسي واشتريت أبي وأسرتي والمكسب لي
      هتفت بغضب عارم : لا, كان عليك أن ترفضي, هذا الزواج خاطئ من البداية, لقد أكرهك, استغل حاجتك للمال ولوي ذراعك
      قالت بصوت قوى : أستطيع أن أوهم نفسي أنني ضحية وألقي عليه باللوم كله, أستطيع أن أصوره في صورة شيطان لأرسم نفسي في صورة ملاك
      لكن الحقيقة ليست كذلك لقد عرض على عرضا وتركني أفكر واخترته بإرادتي الحرة
      هتفت بغضب : ماذا تقولين؟ أتجرئين على هذا القول أمامي, أنسيتي ما فعله بك؟
      نظرت إلى بدهشة وقالت ببطء تتكلم مثل أبي!
      نظرت إليها بصمت وكأنني أفيق على حقيقة توارت بداخلي طويلا
      لقد اتخذت تلك الفتاة مني مكانة أقرب الأقربين, لقد صدقت الآن أن ما كنت أتمناه واعتبرته حلما أصبح حقيقة مستقرة في نفسي وصدقها عقلي وآمن بها قلبي وهي أن تلك الفتاة هي في مكانة ابنتي التي لم أحظى بها في الحياة, بل وأكثر تجاوزت عما قالته وقلت غاضبا : كان يجب أن ترفضي, ما كان عليك أن تلقي بروحك في هذا الجحيم
      قالت بسخرية مريرة: وهل تعتقد أن الرفض مجاني؟
      قلت بدهشة: ماذا تعني؟
      قالت : أعني أنني فكرت في الأمر بعقلية التاجر, لقد تعلمت من السنوات الطوال التي قضيتها في المحل أن لكل شيء ثمنه, لو عاملني بأقصى قدر من الشهامة لطالبني بتسديد ديوني, وأنا لا مال لدى ولم يكن من الممكن أن أقف متفرجة وأنا أرى المحل والأسرة وصحة أبي وكل شيئ ينهار أمامي ورغم ذلك فقد كان بإمكاني أن أرفض, كان لدي ألف وسيلة ووسيلة لأقنع نفسي أنه غير كفء لي لو ذهبت إلى أي مفتي لقال لي لا تقبلي, فشاب له علاقات نسائية ويشرب الخمر لا يمكن أن يكون أمينا على وعلى ديني ولم أذهب بعيدا, لو أخبرت أبي أن هناك من يبتزني باسم الزواج لأوقفه عند حده حتى لو تحمل السجن والتشريد في سبيل حماية بناته
      قلت بعصبية : ولم لم يفعل ذلك
      نظرت إلى نظرة لائمة وقالت : لأنه لا يعلم أي شيء عن الأمر, أتظن أن والدي من النوع الذي يبيع بناته!!!
      لو كان الأمر كذلك لصار الآن مليونيرا
      زفرت بضيق وقلت : ألم تخبرينه؟
      قالت : بالتأكيد لا, كل ما قلته له أن هناك شاب غني يطلبني للزواج, ولكن أهله يرفضون
      قلت ساخرا : ولم تكذبي!!
      قالت : لقد قضى أبي ليلة كاملة يحاول إقناعي بالعدول عن هذا الزواج, فمن وجهة نظره أن العائلة لا بد أن توافق وإلا لصارت حياتي جحيما, وأنني سأندم أشد الندم فالزواج ليس ارتباط شخصين, بل هو ارتباط بين عائلتين ولكني كنت متصلبة الرأي, وتحججت أمامه بآلاف الحجج من أمثلة أنه غني, أنها فرصة لا تعوض, لقد جعل مهري بضاعة للمحل, لو لم أتزوج الآن لفاتني قطار الزواج... وأشياء كثيرة من هذا القبيل
      وأخيرا تركني أنفذ ما برأسي الحجري كما كان يقول لي
      قلت بدهشة: ولا زال يصدق أن كل مشكلاتك مع أهل زوجك فقط!!
      خفضت رأسها وقالت بصوت خفيض : لقد خاصمني
      يا الله!!!
      يكاد عقلي أن يجن, من أين لفتاة في مثل هذا العمر بكل هذا العقل!!
      ترسم خطة محكمة وتخفي عن كل الناس سر زواجها وتتحمل وحدها كل هذه المعاناة
      صرخت بغضب : لا, لست مقتنع كان عليكي أن ترفضيه, كان عليكي أن تكوني أكثر ثقة بالله, بالتأكيد كان يمكن للأمر أن يحل بطريقة أخرى
      أنت ملتزمة ومتدينة وتعلمين أن...
      قالت : لو فكرت بهذه الطريقة فلن يكون لي مكان على الأرض, يا جدي, إننا نعيش على الأرض ولسنا في الجنة لا يمكن أن ألغي عقلي وأجلس في بيتي امتثالا لتفسير الآية (وقرن في بيوتكن) في انتظار معجزة تهبط على من السماء تحل لي كل مشكلاتي لو كنت أريد ذلك لفعلته منذ زمن طويل, منذ أن نزلت للعمل في محل النظارات وبدلت قلبا آخر مكان قلبي واستبدلت صوتا آخر مكان صوتي, وأجبرت نفسي على التعامل مع نوعيات أشباه البشر وشخصيات مريضه تطل على يوميا لا لتشتري ولكن لتتسلى عصر المعجزات انتهى ياجدى, ولم يتبقى لنا سوى العقل نستعين به وهذا هو ما فعلته, لقد اخترت بعقلي
      قلت بغيظ : لا تقولي اخترت, بل قولي فرض على فرضا
      قالت : أستطيع أن أقضي العمر أبكى حظى التعس الذي وضعني تحت رحمته, وأقول لنفسي أنه اختطفني
      قلت : أوليست هذه هى الحقيقة!!
      قالت : الحقيقة لها ألف وجه, هناك من يصدق ويوقن بأنني اختطفت الشاب الغني الوسيم من أهله وتزوجته رغما عنهم أليس هذا هو رأي أمه وعائلته وأصدقاءه؟
      صمت تماما أمام منطقها الغريب, فقد أذهلني عقلها حقا
      قالت لقد تم كل شيء برضا منا نحن الاثنان, وكل منا نال المكاسب التي يريدها, ما كنت أحلم يوما أن ديون المحل يمكن أن تختفي بين يوم وليلة كانت التجارة تسير على ما يرام ولكن مرض أبي أكل الأخضر واليابس, أكل كل مكاسب المحل وإيراده, وبدلا من أن أسدد الديون كنت آخذ من الموردين وأبيع وأصرف المال على علاج أبي, حتى بدأ يتهددنا شبح خسارة المحل بما فيه وضياع مصدر رزق العائلة الحقيقة أنني لست ناقمة عليه بقدر ما أنا ممتنة له لقد أنقذ المحل ورفع عن أبي ديونه ولكني كنت موقنة أن زواج كهذا مبني على عدم التكافؤ وعدم إخلاص النية في بناء بيت سليم لن يدوم أبدا, ولن يمضي وقت طويل ويمل مني لأعود إلى بيت أبي بلا ديون وبلا خسائر, وحتى لو استمر الزواج, فمن حقه أن يحصل على مقابل لما دفعه من مال, وما المشكلة أن أتحمل الإذلال والمهانة في سبيل المكاسب التي حصلت عليها منه
      يمكنك أن تسميها انتهازية, طمع, حب للدنيا, منفعة, مصلحة لن ألومك, فهذه هي الحقيقة انه زواج مصلحة تأملت يديها الخالية من أي نوع من أنواع الذهب والحلي وقلت ساخرا: طمع!! بل هي الخيبة الثقيلة لو كانت امرأة غيرك لأجبرته على أن يكتب عقد الشقة باسمها, أو يشترى لها الذهب الكثير حتى لا تعود إلى بيت أبيها بيدين خاليتين مثل يديك لكانت أحالت حياته الى جحيم ونغصت عيشه وأصبحت هي اليد المسيطرة, فالمرأة إذا أرادت إذلال رجل....
      قاطعتني بهدوء وهي تمسح بعضا من دموعها الغزيرة : أعلم كل ما ستقوله, ولكني أخاف ربي, أين يمكن أن أذهب من عذاب ربي إن منعته حقا علي؟
      إن الحياة قصيرة للغاية, وما نتحمله فيها من شقاء لا يقارن بشقاء الآخرة, ومهما بلغت قسوة انتقامه فإن حلمي وصبري يجب أن يكون أقوى
      قلت برفق : كل هذا جميل, ولكن هناك أساليب وطرق تأديبية على المرأة أن تستخدمها مع أصناف من الرجال كشادي
      قالت ودموعها تسل : لم يكن يهمني تأديبه, بل الحقيقة أنني كنت أقدر له كثيرا أنه أنقذ أهلي من الضائقة المالية التي كادت أن تقضي على أبي, حتى لو لم يكن هذا في نيته, لذلك كان على إتباع الإخلاص التام معه في كل أفعالي وتصرفاتي
      هتفت بضيق: ولم لم تتحدثي اليه؟ لم لم تواجهيه بقوة, لم لم تفهميه أنه يتصرف بطريقة خاطئة؟
      قالت بيأس : لم يكن لدي أدنى أمل في أنه من الممكن أن يستجيب, كنت متأكدة أن هذا الأسلوب فاشل تماما مع شخصية لها عناد حفيدك, انظر إلى أين وصل بنا العناد والشجار
      لذلك فقد اخترت أسلوبا آخر انه الاستسلام التام, فربما كسر استسلامي زهوة السيطرة لديه وأفقده الشعور بلذة الانتقام وأورثه الملل مني ليلقي بي سريعا إلى بيت أبي
      قلت باستغراب: سريعا!!!
      عادت دموعها تنسكب من جديد وهي تقول بألم : نعم, فقد كان يتملكني رعب هائل كلما فكرت في نوعية انتقامه وما يمكن أن يختار لإذلالي, وأشد ما كان يمر على عقلي من أفكار هو أن يجمع أصدقاء السوء ويعرضني أمامهم ليكونوا شهودا على انتصاره كما كانوا شهودا على طردي له من المحل, لم يكن لدى أدنى فكرة عما يمكن أن أفعله وقتها, ولا كيف أتصرف إن أتى بهم إلى البيت؟
      أغمضت عيني اشمئزازا من مجرد تصور بشاعة الفكرة, وقلت مدافعا عنه لأول مرة : لا, لا يمكن أن يصدر منه هذا, إنه حفيدي, أعرفه جيدا, لا يمكن أن تكون هذه أخلاقه, أنت تتحدثين عن شادي, لا عن جندي أمريكي في سجن أبو غريب
      قالت بألم: أنا لا أعرفه ولا أعرف أخلاقه التي تتحدث عنها
      إن كل ما أعرفه عنه هي تلك الصورة التي تبدو أمامي كلما دخل إلى المحل وبوضوح ودون مجاملات فلم يكن هو الزوج الذي يمكن أن أأتمنه على نفسي وديني لذلك حاولت قدر استطاعتي أن أحمي نفسي بأن أشترط عليه ألا يأتي بأي إنسان مهما كان إلى هذا البيت
      قلت بفهم : وكذلك ترفضين بإصرار الخروج معه للتنزه في أي مكان
      قالت مبررة : لا أضمن كيف يفكر عقله ولا إلى أي مكان سيأخذني
      أعلم أن كل هذا لن يجدي, لو أنه أراد إذلالي وكسري حقا فهناك آلاف الطرق يستطيع بها قتلي معنويا لذلك كنت أستعين عليه دائما بالله, وكان دعائي في كل سجود لله أن يسترني ويحميني ويبعد عني شياطين الإنس
      قلت بأسى: الأحمق المسكين لم يكن له نصيب من دعائك!!!
      قالت : كنت خائفة, خائفة إلى درجة كبيرة
      كنت أعلم بكل المخاطر التي يمكن أن تواجهني قبل أن أتزوجه, وأبعدت أهلي تماما عن هذا البيت , كنت أخشى إن وجد لي نقطة ضعف فيهم أن يستغلها ضدي, كأن يهينهم أو يطردهم, لذلك انقطعت عنهم ورفضت أن يزوروني أو أزورهم حتى ينساهم تماما, وساعدني على ذلك خصام أبي لي
      قلت بعد تفكير : يا إلهي!! أيمكن أن تستقيم حياة كهذه, أيمكن أن يستمر زواج كهذا قائم على الخوف وتوقع الشر من الآخر!!
      الآخر الذي يجب أن يكون هو الحارس والحامي والسند والنصير!!
      قالت ودموعها تغرق خديها : حاولت كثيرا أن أحيد مشاعري تجاهه, حاولت قدر استطاعتي ألا أكرهه قضيت ليالي طويلة أحاول أن أمحو الصورة التي تمنيتها في الرجل الذي يمكن أن أوافق على زواجي منه وأستبدلها بصورة وصفات زوجي الذي فرض نفسه على وكنت أقنع نفسي كلما مر على يوم أنه ليس بدرجة السوء التي توقعتها, يكفي أنه لم يخالف أي شرط من الشروط التي اشترطتها قبل الزواج, يكفي أنه يعاملني معاملة حسنة ولا يؤذيني ولا يهينني
      ولكن تبقى لي يقيني أن زواجي لن يدوم أبدا
      هل.. هل عشت حياتك وأنت على قائمة الانتظار!
      طوال النهار أتوقع أن أسمع منه كلمة الطلاق, وأقضي الليل وأنا موقنة بأني سأسمعها غدا, انه جحيم لا ينتهي, ولكن ما حيلتي؟ على أن أصبر حتى ينتهي ويقولها بنفسه دون أن أطلبها
      أصبر يوما بعد يوم وشهر بعد شهر حتى اعتدت الصبر وألفت الانتظار وتقبلت كل شيء طالما أنني أدفع الثمن وحدي دون ضحايا آخرين لم يخطر لي ببال أن محاولاتي لإبعاد الأذى عن أهلي وتجنيبهم الشقاء, سيشقى بها إنسان آخر المفترض أن يكون هو أحب الناس الى قلبي, والمفترض أيضا أن تكون سعادته هي هدفي في الحياة
      قلت بدهشة: من تقصدين؟
      غلبها النحيب المؤلم, وعجزت عن فعل أي شيء سوى انتظار ما ستقوله
      وعندما طال نحيبها قلت بقلق : من تقصدين يا ابنتي؟ أرجوك لا تخفي عني شيء
      قالت من بين نحيبها: أنا... أنا... حبلى
      لم أعرف هل أفرح أم أفزع, وأي مشاعر انتابتني وقتها لكني تجمدت تماما, فبعد كل ما قالته لي, وكيف سارت حياتها مع شادي من البداية في طريق خاطئ مغلق في نهايته في زيجة حكم عليها الطرفان من البداية بالفشل والآن ضحية جديدة لا ذنب لها تدخل تلك الدائرة الجهنمية
      ما الذي يمكن أن أقوله لها لأواسيها, أستطيع أن أتفهم مشاعرها وخوفها وألمها, لقد تحملت كل شيء وتقبلت على نفسها كل شيء, ولكن كيف يمكن لأم أن تتقبل شقاء طفلها وهو يعيش ممزق بين أبوين منفصلين وكيف يمكن أن أقنع شادي وأنا أكثر من يعرفه بالتخلي عن حريته وأنانيته ليتحمل مسئولية طفل صغير فجأة انتابني سخط عنيف تجاه هذا الولد, وتخيلت ابنتي تعود إلى بيتي بعد عام مؤلم....

    14. #14
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة 14

      قالت من بين نحيبها: أنا... أنا... حبلى
      لم أعرف هل أفرح أم أفزع, وأي مشاعر انتابتني وقتها لكني تجمدت تماما, فبعد كل ما قالته لي, وكيف سارت حياتها مع شادي من البداية في طريق خاطئ مغلق في نهايته في زيجة حكم عليها الطرفان من البداية بالفشل والآن ضحية جديدة لا ذنب لها تدخل تلك الدائرة الجهنمية
      ما الذي يمكن أن أقوله لها لأواسيها, أستطيع أن أتفهم مشاعرها وخوفها وألمها, لقد تحملت كل شيء وتقبلت على نفسها كل شيء, ولكن كيف يمكن لأم أن تتقبل شقاء طفلها وهو يعيش ممزق بين أبوين منفصلين وكيف يمكن أن أقنع شادي وأنا أكثر من يعرفه بالتخلي عن حريته وأنانيته ليتحمل مسئولية طفل صغير فجأة انتابني سخط عنيف تجاه هذا الولد, وتخيلت ابنتي تعود إلى بيتي بعد عام مؤلم من الزواج الفاشل ورضيع على ذراعها لأواجه معها ألم الفشل في الزواج ومستقبل مظلم مملوء بالمخاوف والأسى لمطلقة شابة تجر في ذيلها طفلا لرجل تزوجها يوما ليذلها وينتقم منها ثم ألقى بها وبطفلها دون اكتراث لأي شيء أدركت لحظتها كيف هي مشاعر الأب الحقيقي وأقلقني بشدة ذلك, أعلم الآن ما يمكن أن يفكر فيه والدها عندما تعود إليه ابنته بخيبة الأمل, فقد يشتد عليه المرض, أو يخر ميتا في صدمة كتلك, لا شك أن المسكينة أيضا تفكر في هذا ولكنها أيقظتني على الصورة بكل بشاعتها وهي تقول وبكاؤها يفتت قلبي : انصحني يا جدي, كيف أتصرف؟ وماذا أفعل لو طلب مني أن أجهض الطفل؟
      هتفت ولاء بدهشة : ياااه, إلى هذه الدرجة؟
      قال الجد بضيق: أليس حفيدي؟ لكنها لم تخطئ بظنها فيه, بل هو أول ما طرق ذهني عندما أخبرتني بنبأ الحمل المشكلة أنني لا يمكن أن أتوقع شيء من شادي سوى هذا
      ولاء : ولكنه خرق كل التوقعات وأبقى عليها رغم تأكيدك وتأكيده وتأكيدها بأن الزواج لن يطول إلا لأسابيع
      الجد: ولم لا تقولين أنه يريد أن يستمتع بقدر ما دفعه من مال؟
      تنهدت ولاء بحزن قائلة: المسكينة!! وكيف تصرفت؟ هل تدخلت في الأمر وتحدثت معه
      قال : لا, بل قلت لها لا تخبريه كنت عاجزا تماما أمامها وخالي من أية فكرة يمكن أن تساعدها وأنا أتمزق وأنا أراها تبكي أمامي بهذه الطريقة أتدرين بماذا ردت على فكرتي؟
      قالت: لا أستطيع أن أخفي عنه الأمر, من حقه أن يعرف, فهو أبوه شهقت فجأة وابتلعت دموعها وبسرعة جففت وجهها بالمناديل الورقية, وهي تسمع صوت مفتاحه يدور في الباب, ولكنها لم تستطع أن تخفي احمرار عينيها ولا تورمهما وبمجرد أن رآها على تلك الحالة حتى ظهر في وجهه القلق وتساءل بضيق : هلا أخبرني أحد ما ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
      انسحبت بسرعة إلى المطبخ دون كلمة, فالتفت إلى وسألني باهتمام: تحدثت إليك, أليس كذلك؟ أخبرني ما سر كل هذا؟ ولم تبكي باستمرار؟
      نظرت إليه وبراكين الغضب تتصاعد بداخلي, وقلت قبل أن أنفجر فيه: ولم لا تسألها هي؟أليست زوجتك!! أم أنك تنوى أن تكمل انتقامك إلى النهاية وتلقي بها إلى سلة المهملات؟
      تركته ودخلت غرفتي حتى لا أتصادم معه وأنا لا أدري كيف أتصرف؟
      هل أترك البيت احتجاجا على تصرفاته معها, وكيف سيكون حال المسكينة وأنا الشخص الوحيد الذي أصلها بالعالم الخارجي, وأنا الوحيد الذي استمعت إلى شكواها ورضيت به أن يقوم مقام الأب, بعد أن قررت أن تخفي كل شيء عن والدها المريض!!
      لم يتواني شادي عن سؤالها عما يبكيها, ولأن فاطمة وصلت إلى درجة من الألم لا يمكن السكوت عنها, كما أنه شعر بأنني انقلبت ضده فقد أصر أن يعرف ما بها
      أحضرت له ورقة من خزانتها وبمجرد أن قرأها حتى تجمد تماما وعجز عن قول أي شيء
      قالت بهدوء : كنت أشك في الأمر من مدة, طلبت أختي لتأتيني وتأخذ عينه من البول وتحللها في المعمل, وعادت بعد ساعتين ومعها النتيجة
      ظل صامتا لا يتكلم وتركته هي ونهضت لتختفي في المطبخ
      ظل شادي صامتا لفترة طويلة, طويلة للغاية, لم يتحدث في هذا الموضوع أبدا مع أي منا, ومضت شهور وهو لا يتكلم, أدركت فيها المعنى الذي قالته لي فاطمة, (أن تبقى على قائمة الانتظار) فقد انضممت إليها وأصبحنا أنا وهي ننتظر منه كلمة أي كلمة, ولكنه ظل صامتا
      ورأيت في عينيه تغيرا ما, نظرات جديدة, كان يتأملها كل يوم وهي تروح وتجيء في البيت وبطنها يكبر تدريجيا, وقتها توقعت أن تحصل على الطلاق قريبا جدا بعد أن طرأت عليها تغيرات الحمل من تعب ووهن وتغير في الشكل العام وخفوت الجمال, ولكنه بقي صامتا
      وبدأت حركاتها تتباطأ ونشاطها يقل وتهاجمها آلام الثقل والوهن, وانقطع بينهما الحوار تماما لدرجة أنني اعتقدت أنه لولا وجودي في البيت لانقطع فيه أى مصدر للصوت
      وقضيت الوقت أفكر ما الذي يمكن أن أقدمه لها تعويضا عن معاناتها معه وضمانا لمستقبل الصغير المنتظر فكرت أن أكتب عقد بيع باسمها لبعض ما أملكه, وأنا أعلم مسبقا ودون أن أسألها برفضها التام لتلك الفكرة ولكن في شهرها الثامن قام ببادرة طيبة أشعرتني أنه من الممكن أن يتغير, فقد أحضر لها خادمة تساعدها في البيت وترحل آخر النهار
      كما أنه حل محلي باصطحابها للطبيبة التي تباشرها بانتظام بعد أن كنت أنا الذي أقوم بهذا الدور من البداية ورغم ذلك فقد ظل الحوار بينهما مقطوعا لأسابيع, حتى استيقظت فجر أحد الأيام لأصلي الفجر كعادتي لأجد المسكينة تجلس وحدها في حجرة الاستقبال وتئن وتتألم بصوت خفيض, حاولت أن أسألها عما بها لكن منظرها أفزعني, فجريت إلى شادي وأيقظته بعنف ونهض مفزوعا من النوم, فقلت بغضب : هل أنت إنسان لديه إحساس كباقي البشر؟
      هل تبلدت إلى هذه الدرجة!!
      قال بدهشة : ماذا حدث لكل هذا!!
      صرخت غاضبا: تنام ملء جفنيك ولا تشعر بزوجتك المسكينة وهي تتمزق من الألم؟
      نظر إلى المكان الخالي في الفراش بجواره, وقال بقلق : أين هي؟

    15. #15
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2017
      المشاركات
      500
      معدل تقييم المستوى
      30

      افتراضي رد: رواية فاطمة

      الحلقة 15

      لم ينتظر حتى أجيبه بل قفز من الفراش يبحث عنها في البيت, فأشرت إلى حجرة الاستقبال, وعندما وصل إليها كانت تحاول أن تكتم صوت أنينها, لكنها لم تنجح قال بغضب : لم لم توقظيني!! ألهذه الدرجة تتجنبينني!! توقظيه هو وأنا بجوارك تماما!!!
      لم تكن قادرة على الرد ولا تبادل الحوار في هذا الموقف الرهيب, فصرخت فيه : هل هذا هو وقت الكلام والاستجواب! إلى المستشفى على الفور
      اصطحبناها معا إلى المستشفى, وهدأت قليلا في السيارة, وأخذت توصيني برجاء بطفلتها التي رأتها لأول مرة في صورة الأشعة بالموجات الصوتية : جدي, أوصيك بطفلتي, عليك أن تتلقاها وتطمئن عليها, وأنهم أجروا لها اللازم, ولا تنسى أن تطمئن على صحتها من طبيب الأطفال, والأذان, لا تنسى الأذان كنت أجيبها مطمئنا إياها وأنا أفكر كيف هى مشاعر شادي الآن, وقد فضل الصمت التام والانتباه للقيادة حقيقة ما كنت أتمنى أن أكون مكانه في هذه اللحظة, ربما لا يبالي بكل هذا!!
      أو يعتبر الأمر عبئا مفروضا عليه, وربما يتعاطف مع زوجته لكنني أدركت فعليا عمق ألمه عندما رأيت الألم يبدو جليا في عينيه وهي تستعد للذهاب إلى غرفة العمليات وتحدثني وهى خائفة, وتوصيني بطفلتها بإصرار عندها أدركت أنه فهم أخيرا أنني أقرب إليها منه
      جلسنا في الاستراحة وظل هو على صمته لكن القلق كان ينضح من ملامحه وحركاته وسكناته
      وأنا أمسك بمسبحتي لا أكف عن الاستغفار والدعاء لها, فقد أخبرتنا الطبيبة أن وضع الطفلة في الرحم غير طبيعي وستجري لها عملية قيصرية ولم نهدأ إلا بعد أن جاءت إلينا الطبيبة وهنأتنا بصحة الأم والمولودة وأخبرتنا أنها الآن في الإفاقة, وأنهم سينقلونها إلى غرفتها بعد قليل
      غمرتنا الراحة وعدنا أنا وهو إلى غرفتها ننتظرها هناك, وهدأ شادي قليلا وبدأ يتكلم أخيرا : لا أفهم لم تعاملني بهذه الطريقة
      نظرت إليه باهتمام وأنصت إليه وهو يكمل : تتجاهلني تماما وكأنني لست موجودا, تمنحك ثقتها الكاملة وتوصيك بطفلتها كما لو كانت خائفة عليها مني
      التفت إليه وسألته بجدية : شادي, بعد أكثر من عام زواج, أتظن حقا أنك تعرف زوجتك وتفهمها جيدا؟
      قال مدافعا: بالتأكيد أعرف كل شيء, أتظن أنني أهملها في البيت وأدور طوال النهار والليل في الشوارع!!
      قلت بهدوء : هلا أخبرتني في أي كلية تخرجت؟
      التفت إلي ببطء وظهر ت الصدمة على وجهه, لكنه تمالك نفسه وقال بتردد : في..في كلية..
      عجز عن الرد فأكملت أنا : كم عدد إخوتها؟
      صمت تماما ولم يرد, وبدا عليه التوتر فلحقته بالثالثة: أخبرني باسمها الرباعي المكتوب في بطاقتها الشخصية
      ابتلع ريقه بإحراج وبدأ يتعرق فلم أرحمه وألقيت إليه بالأخير : ما هو يوم مولدها
      عندما لم يرد قلت بقسوة : هيا أخبرني في أي شهر ولدت
      زفرت بضيق شديد وقلت : إذا فأنت حتى الآن لا تعرف كم عمرها
      ضحكت ضحكة قصيرة هازئة : الآن أصدق أنك تعرف عنها كل شيء
      كيف تعرفت عليها؟؟
      نعم تذكرت, عندما أردت شراء هدية لإحدى صديقاتك في عيد ميلادها!
      فأنت تحفظ تواريخ ميلادهن وتضيفها إلى التذكرة في جوالك حتى لا تنسى, بل وتشترى لهن العطور والهدايا الغالية ترى متي اشتريت لزوجتك هدية؟ هل أقول أنا؟؟ لم تفعلها أبدا, أتدرى كيف عرفت؟ لأن زوجتك حتى الآن لم تحصل على خاتم زواج امتلأ وجهه بالعرق ولم يستطع النظر إلى وعيناه زائغتان في كل اتجاه
      فقلت بغيظ : إن كل ما تعرفه عنها هو ألوان ملابس نومها, فهي دميتك التي تتسلى بها
      لها كل الحق ألا تثق بك, فأنت لم تعاملها يوما كإنسانه لها شعور وإحساس اندفع غاضبا يدافع عن نفسه : كيف تقول هذا وأنت أكثر من يعرف أنها تتجنبني وتبتعد عني وترفض أن تتحدث إلي أو تصارحني بمشاعرها, وتصنع بيني وبينها الحواجز واحدا تلو الآخر
      قلت بغضب: وأنت, ما الذي فعلته لتقتحم الجدران التي بنتها حول نفسها, وما المحاولات التي حاولتها لتخرجها من عزلتها وشرنقتها التي حبستها فيها
      قال بانفعال: ماذا, أتلقي علي بالمسئولية!!
      كيف تفعل هذا وأنت تعيش بيننا ترى وتسمع ما تفعله بي, انها ترفض كل محاولاتي للتقرب إليها
      قلت ساخرا : لم لا تخبر جدك أيها الدون جوان ساحر النساء كم امرأة أوقعتها في حبائلك؟
      وما الخطط التي كنت تقضي الليالي ترسمها لتنال منها موعدا, ألا تستحق زوجتك بضع ساعات من وقتك, أم أنك قد امتلكتها وانتهى الأمر!!
      ما الذي فعلته لتكسب ثقتها وتمنحها الشعور بالأمان؟
      إن زوجتك حتى الآن تقضي نهارها وليلها في انتظار أن تفاجئها في أية لحظة بكلمة الطلاق
      قال مصدوما : ومن قال أنني سأطلقها! من ألقى بتلك الفكرة السخيفة في رأسها؟ إنها مجنونة لو فكرت بهذه الطريقة قلت بجدية ونبرة الاتهام تملأ صوتي : ليست وحدها التي تنتظر هذا الخبر, أنا أيضا توقعت هذا, وإذا سألت أصدقاؤك فسيخبرونك بهذا
      الكل يعرف أن زواجك لن يدوم حتى أسرتك
      قلت بسخرية مقلدا أسلوبه : الأمر لن يتجاوز بضعة أيام أو أسبوع على أكثر تقدير, ألهو قليلا وأشبع رغبتي في الانتقام وأكسرها
      أكملت بقسوة: هذه هي كلماتك التي أخبرتني بها قبل زواجك, هل نسيت!!
      صمت تماما ولم يرد وظهر الألم في وجهه
      أكملت بقسوة: هذه هي كلماتك التي أخبرتني بها قبل زواجك, هل نسيت!!
      صمت تماما ولم يرد وظهر الألم في وجهه
      فقلت : إن كنت قد نسيت فاعلم أن الناس لا تنسى, وخاصة الإساءة يا بني, لقد آلمتها بما يكفي, ونفذت كل ما كنت تريده وزيادة, فكن كريما وأطلقها يا بني, أعدها الى بيت أبيها وعد أنت لحياتك القديمة, فهي لا تنتمي لدنياك التي تعرفها, يكفي تعذيبا لها فهي لا تستحق كل هذا الألم حررها وسأعوضك عن كل ما خسرته من مال وزيادة, ودع المسكينة تلملم حياتها وتجبر شروخها, فربما عوضها الله بمن يقدرها كزوجة وأم, لا كأنثى فقط
      انتفض من كرسيه وقال بغضب: أتريدني أن أطلقها!! مستحيل.. لا أستطيع
      قلت بهدوء : أتظن بأنك قادر على أن تكون زوجا حقيقيا يتحمل مسئولية بيت وزوجة وطفل؟ هل تظن أن ما كسرته يمكن أن ينصلح!!
      قال بيأس : ولكني حاولت, حاولت أن أتقرب إليها, أن أغير من فكرتها عني, حاولت أن أجعلها تحبني
      قلت بهدوء : لم تتبع الطريق الصحيح, أتدرى لم؟
      لأنك لم تحاول أن تفهمها أبدا ألم تدرك بعد أنها مختلفة عن أية امرأة أخرى صاحبتها؟ فهي لا تفكر كالباقيات وأن كل ما يسعدها هو مالك وشبابك ووسامتك وخفة ظلك
      ألم تفهم بعد أن كل ما تحتاجه المسكينة هو المعاملة الطيبة والاحترام والشعور بالأمان!!
      لذلك لم تمنحها شيء مما كانت تحتاجه
      قال بصوت نادم : تعلم جيدا أنني لم أسئ يوما معاملتها
      رددت بسرعة : ولم تحسن إليها كذلك أخبرني أين أبوها وأمها؟ كم مرة دخلوا فيها بيت ابنتهم!
      قال بألم : لا تقسو على فهي لم تطلب مني شيء ورفضت تلبيته
      قلت : هناك أشياء لا تطلب, بل تعتبر بديهيا من واجبات الزوج, وأنت لم تقم بواجباتك كما ينبغي صدقني لو كنت مكان والدها وعلمت أن ابنتي دخلت المستشفى لتضع طفلها الأول ولم يهتم زوجها بإخباري ولو حتى تليفونيا, لكرهته ولاعتبرت أنه زوج لا يستحق المسئولية التي في عنقه
      قال بهزيمة: وما الذي تريدني أن أفعله الآن؟
      قلت : على الأقل تتصل بوالدها وتخبره أن ابنته في المستشفى
      سيشكل ذلك فارقا كبيرا, أن تستفيق لتجد من تحبهم حولها
      صمت ولم يرد, وأرخى رأسه بخجل
      فقلت أستحثه: ها, ما رأيك؟
      قال بخجل : لا أعرف رقم هاتفهم
      قلت بغيظ : يا الهي, الآن فقط تأكدت أنك سجنتها عن العالم بأسره
      نظر إلى بندم ولم يتكلم
      نظرت في ساعتي وقلت : إن كنت تحبها وترغب في إصلاح ما بينكما فعليك أن تبدأ الآن, فلتذهب بسيارتك وتحضر والديها إلى هنا والآن
      قال بحيرة : لكنها ستخرج الآن من غرفة العمليات
      قلت بتعجل وأنا أحثه على الذهاب : اطمئن, سأكون بانتظارها وفي هذه الساعة المبكرة من الصباح لن تستغرق طويلا في الطريق هيا انهض وإياك أن تقول لي أنك لا تعرف عنوان بيت أبيها قال بإحباط : اطمئن, هذه هي المعلومة الوحيدة التي أعرفها
      ذهب شادي وكنت أنا بانتظارها وبانتظار طفلتها كما وعدتها, وعندما وصلت إلى الغرفة لم تكن واعية تماما لما حولها, واستلمت المولودة من الممرضة وأذنت في أذنيها كما أوصتني, واطمأننت على صحتها وعلى وزنها من طبيب الأطفال, وعادت فاطمة للنوم, فهي لازالت تحت تأثير المخدر عاد شادي بسرعة ومعه أبوها وأمها وأختها كان شادي متلهفا للغاية, يبتلع ريقه ويلتقط أنفاسه, وأول ما فعله عندما دخل إلى الغرفة أن اتجه إلى سرير فاطمة ونظر إليها بقلق وهو يسألني : كيف حالها؟ أهي بخير؟
      قلت بابتسامة واسعة : اطمئن أنها نائمة الآن
      بعد دقيقتين, دخل أبوها وأمها, وبمجرد أن رأيت والدها حتى ثمنت تضحياتها من أجل أسرتها, فقد كان والدها يسير ببطء ويبدو عليه المرض واضحا وهو يستند الى كتف ابنته, ويبدو أنه لا يرى أمامه جيدا رحبت بهم جميعا, أما شادي فقد انتبه فجأة لما بين يدي, انه شيء يخصه, شيء صغير ينتمي إليه
      كان ينظر إليها بشوق عجيب لم أراه في عينيه أبدا
      سألني وكأنما لا يصدق نفسه : أهي!
      قلت بسعادة : نعم, ابنتك, ألن تحملها؟
      قال بتردد : أيمكن هذا؟
      قلت وأنا أكتم ضحكتي: بالتأكيد فأنت والدها حملها بين يديه بخوف, كان يبدو عليه التوتر وهو يتجه إلى الكرسي الخالي بجوار النافذة ببطء وهو يمسكها جيدا كما لو كان خائف أن يسقطها
      شعرت وأنا أنظر إليه وكأنني أنظر إلي الصبي الصغير الذي لم يتجاوز الثانية عشر
      صديقي الذي كنت ألعب معه من سنوات واستذكر معه دروسه ويبكي بين أحضاني كلما صادفته أزمة أو ضايقه شيء أدركت الآن فقط كم أحب هذا الفتى وأحب زوجته وابنته أجلست والد فاطمة على كرسي بجوار سريرها, فقال الرجل الطيب بابتسامة حنون : لا أدري كيف أشكركما, لقد أسعدني الأستاذ شادي عندما أحضرني إلى هنا لرؤية ابنتي وحفيدتي
      دمعت عيناي وأنا أفكر, كنت أعلم أن هذا سيحدث, كنت أعلم أنه سامحها وغفر لها منذ زمن بعيد, فقط كان بانتظار أية إشارة أو زيارة أو حتى مكالمة هاتفية تزيل أى حاجز بينه وبينها, انها ابنته فاطمة, لا يمكن أن يقسو عليها قلت له : هذا واجبه, ربما تأخر بعض الشيء
      لكن من الآن فصاعدا سيكون عهد جديد أكثر تفاؤلا بوجه الصغيرة الجميلة, قدم الخير
      أخذت أتبادل حوارا طويلا مع الأب والأم وهما في منتهى السعادة, وعندما نظرت الى شادي وجدته ذاهلا عن العالم بأسره يتأمل قطعة منه ولا يستطيع أن يحول عيناه عنها
      كان الضوء يملأ الغرفة بعد أن أشرقت الشمس, وبدأت فاطمة تستفيق من نومها, وعندما فتحت عيناها قالت ببطء : أبي! أأنت هنا؟
      قال بحنان كبير : حمدا لله على سلامتك يا بنيتي الحبيبة
      مد إليها يده فتناولتها فاطمة وقبلتها بحب واحترام, وانكبت الأم على سريرها تقبل رأسها ووجنتيها وتبكي شوقا, وابتسامة فاطمة تزداد والسعادة تملأ محياها
      وبعد أن هدأ الوضع سألتني : جدي, كيف حال الصغيرة؟
      قلت بسعادة : بين يدي والدها
      قالت : هل فعلت ما طلبته منك؟
      قلت : اطمئني, كل شيء تم كما أردتيه تماما
      والآن أخبريني ماذا ستسميها؟

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. أم الإيمان (فاطمة بنت أسد)
      بواسطة ولد الربيعه في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 29-07-2017, 09:57 PM
    2. أم الإيمان (فاطمة بنت أسد)
      بواسطة ولد الربيعه في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 01-04-2017, 01:30 AM
    3. السياحة فى وادي فاطمة
      بواسطة نقاء الروح في المنتدى السياحه والسفر
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 26-02-2016, 11:47 AM
    4. فاطمة بنت أسد رضي الله عنها
      بواسطة شمس ألاحلام في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 23-04-2012, 01:29 PM
    5. سيرة فاطمة بنت أسدرضي الله عنها،فاطمة بند رضي الله عنها
      بواسطة شمس ألاحلام في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 10-02-2012, 08:22 PM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com