-
أتتنا وجنح الليل منسدل الستر فاغنى سناها الطرف عن طلعة البدر
رواح غدت قيد العيون بحسنها وقد بزرت تختال في حبر الحبر
جلاها لنا من جال في حلبة النهى فجلى على الأقران في النظم والنثر
فوافت ذوي الألباب تسفر عن هدى وتنطق عن حكم وتفتر عن سحر
هي البكر قد بوأتها عرش خاطري فأصبح إذ حلت به هيكل البكر
أقام به جبريل هو نجيها يلقنها من وحيه أيما سر
حقائق عصر قد جلاها فاقبلت تنادي بأرباب الغواية والعصر
فيا أيها الندب الذكي ومن له بدائع في الآداب جلت عن الحصر
لك الله ما أبديت من نور حكمة جهاراً وطبع النوريأبي سوى الجهر
فدم ناصراً للحق منتصراً به على ترهات الزور واسلم مدى الدهر
-
أحبابنا هل لذاك العهد تذكار يدني إليكم إذا لم تدننا الدار
بنتم فلم يغننا من أنسكم سكن يوماً ولا راقنا من بعدكم جار
تجري المنى سانحات في خواطرنا وما لها غير جمع الشمل أوطار
قد قطع البعد نجوانا وما برحت في القلب منكم أحاديث وأسرار
نبيت في الربع نستسقي الغمام لكم وقد سقت ربعكم للدمع أمطار
حق علينا وأن غبتم زيارته فهل نراكم وأنتم فيه زوار
أما الكرى فسلوا عنه الخيال إذا وارته من ظلمات الليل أستار
وبي ليالي أنس بيننا سلفت كأنها في ربيع العيش أزهار
كأننا لم نذق وصلاً ولا عبرت لنا على الصفو آصال وأسحار
أيم نعشو إلى ضوء الشمول وقد بدا لها تحت جنح الليل إسفار
صهباء تكسو الندامى من أشعتها كوجه موسى وقد ضاءت له النار
مبارك الوجه صافي السر قد هبطت عليه من أفق الرضوان أنوار
في طاعة الله ممساه ومصبحه ومنه للخير إعلان وإسرار
لله غصن نشا من روح مكرمة طابت لنا منه أغصان وأثمار
عرق كريم واحساب مؤثلة بمثلها أحرزت للمجد أخطار
أنشا لآل فريج عزة بسقت من دونها خسأت للدهر أنظار
بنى لهم طود مجد طال وارتفعت عليه من حيطة الرحمان أسوار
وفوقه نور بدر حين لاح به غارت لمطلعة في الأفق أقمار
هذا الهمام الذي أضحت مناقبه قدى بها في طلاب الحمد يستار
في جاهه لطريد الدهر ملتجاً وفي غناه لأهل العسر إيسار
وهمه كل يوم كسب مأثرة تخطها في سجل الفخر أدهار
متيم بغواني المجد يعشقها فمن من حوله عون وأبكار
يضم للتالد الموروث طارفها ذخائراً مثلها يبغي ويختار
فدى لموسى رجال قد عرفتهم كأنهم في عيون العصر عوار
من كل راض من الدنيا بدرهمه وليس في نفسه للمجد إيثار
ومن إذا حصلت في كفه جدة فإنها ثمن بشرى به العار
الفقر أجمل ثوب للئيم وأن عاب الكريم وبعض الفقر ستار
وشر ما امتاز قدر الأغبياء به إذا غلت منهم بالفلس أسعار
وإنما الفضل ما أبديته لهم لو كان فيهم لمرأي الفضل أبصار
فدم لهم سائداً في كل مكرمة بمثلها قاد عنق الدهر أحرار
ولتهنك الرتبة الأولى حباك بها من جود كفيه في الآفاق مدرار
من عنده ينصف الفضل المبين ولا تخفي عليه لأهل الفضل أقدار
ومن إرادته حكم فمن رفعت فما لرفعته في الأرض انكار
عبد الحميد الذي في ظله استترت من البسيطة أقطار وأمصار
تجري الرياح تباعاً تحت رايته إذا جرت وتقل الفلك أبحار
ملك إذا نظرت في الأمر فكرته فالدهر يوم ووجه الأرض أشبار
له من القدر الجاري جلاوزة ومن ملائكة الرحمان أنصار
فدم ما فياً الغصن النسيم وما تحركت من جفون العين أشفار
ورم به راقياً أرخت ما نسجت بمدحه خطب منا وأشعار
-
هذا كتاب فصلت آياته بفرائد أزرت عقود الجوهر
فاقت فواصله القوافي إذ اتت بيديع لفظ بالبيان محبر
أملي به الاسكندر الحكم التي لم يمل آرسطو على الاسكندر
حكم تفيد ذوي النهى في ساعة ما لا تفيدهم تجارب ادهر
اهدى لأفكار الملا ريحانة من روض فكر بالبلاغة مثمر
برزت لنا مثل العروس تزينها حبر الفصاحة تحت رقم عبقري
عربية السربال ضمن وشاحها بكر من الأعجام ذات تستر
نطقت بمخترع الحديث ونزهت فيما روته عن مقام المفتري
لله منشئها اللبيب فكم بدت منه نوابغ حكمة لم تنكر
قد جاء ما فات الذين تقدموا فلذاك قلنا الفضل للمتأخر
-
سترت حبك في قلب إليك صبا شوقاً وخير الهوى ما كان مستورا
فلا تظنن قلبي عنك منصرفاً وإن يكن بات بالاشجان مكسورا
لكن رب الهوى والحب متهم ما زال محتذرا طوراً ومحذورا
فملت للهجر لا عن رغبة ورضى لكن اعد لدى التحقيق مهجورا
وذي إشارة موصول بحبكم ضمنت أكثرها حذفاص وتقديرا
-
وافي خيالك زائرا تحت الدجى حتى انتبهت له فولى مدبرا
يا طيف في كنف السلامة فارتحل وعساك تخبر من أحب بما ترى
-
كتبت ودمعي مستهل صبابة يداعب كفي كلما كتبت سطرا
وإن فؤادي عند ذكرك ذائب فيكف بماء الدمع في مقلة شكرى
-
هذا عزيز القطر مولانا الذي ورث الامارة أكبراً عن أكبر
تزهو بصورته الطروس ودونها يبدو برسم في القلوب مصور
ذو طلعة تهوى النواطر حسنها ومهابة غضب عيون المبصر
كالشمس شاقت طرف ناظرها فما سمحت له إلا باول منظر
-
تعجب قوم من تأخر حالنا ولا عجب في حالنا أن تأخرا
فمذ أصحبت أذنابنا وهي أرؤس غدونا بحكم الطبع نمشي إلى درا
-
رقص الهزار على الغصون الميس لما جرى في الروض ساقي الأكؤس
وشدا فصفقت الجداول بهجة وتنبهت طرباً عيون النرجس
وأطلت الأزهار من أكمامها تفتر عن درر الحيا المتبجس
ألقى عليها الصبح بيض رياطه فطلعن بين مورد ومورس
وسرى النسيم على جوانبها وقد حيا فحيته بخفض الأرؤس
وحبته طيب شذا كأن أريحه من مدح ذي الشرف السني الأقدس
السيد الراعي الذي في ظله وجدت خراف الله أمنع محرس
هو بطرس الحبر المعظم من نفي إيمان بطرس عنه عثرة بطرس
طهرت وبرت منه نفس حرة بشوائب الأيام لم تتدنس
متزمل بالطيلسان ودونه يبدو من التقوى بأبهى ملبس
لم تأخذ الغفلات منه مقلة سهرت لتنبيه العيون النعس
هذا إناء الحكمة البر الذي بيهاء أنوار المهيمن قد كسي
بحر تدفق بالزلال وجاءنا بأجل من در البحار وأنفس
ذرب النهي برزت أهله فكره فرمى خطوب الدهر عن مثل القسي
ماضي البراعة حين نكس رأسها عنت الصعاب لها برأس منكس
يجلو الحقائق من ستور خفائها كالصبح ينزع من قتام الحندس
وإذا تصدر قائلاً في مجلس ألفيت قساً ضمن ذاك المجلس
وإذا ارتقى فوق المنابر خشعت كلماته قلب الجماد الأملس
وهديته كلما لقد يمنتها بمقام محراب لديه مقدس
لا زال يزدان الثناء بذكره مثل الطراز يزين ثوب السندس
-
وعود صفا الندمان قدماً بظله وما برحت تصفو لديه المجالس
تعشقه طير الأراكة أخضراً وحن إليه ريشه وهو يابس
-
دع مجلس الغيد الأوانس وهوى لواحظها النواعس
واسل الكؤوس يديرها رشا كغصن البان مائس
ودع التنعم بالمطاعم والمشارب والملابس
أي النعيم لمن يبيت على بساط الذل جالس
ولمن تراه بائساً أبداً لذيل الترك بائس
ولمن أزمته بكف عداه يظلم وهو آئس
ولمن غدا في الرق ليس يفوته إلا المناخس
ولمن تباع حقوقه ودماؤه بيع الخسائس
ولمن يرى أوطانه خرباً وأطلالاً دوارس
كسيت شحوب الثاكلات وكن قبلاً كالعرائس
عج بي فديتك نادباً ما بين أرسمها الطوامس
واستنطق الآثار عما كان في تلك البسابس
من عزة كانت تذل لها الجبابرة الأشاوس
وكتائب كانت تهاب لقاء سطوتها المتارس
ومعاقل كانت تعزز بالطلائع والمحارس
ومدائن غناء قد كانت تحف بها الفرادس
أين المتاجر والصنائع والمكاتب والمدارس
بل أين هاتيك المروج بها المزارع والمغارس
بل أين هاتيك الألوف بها فيسح البر آنس
هلكوا فلست ترى سوى عبر تثور بها الهواجس
بيد صوامت ليس يسمع في مداها صوت نابس
إلا رياح الجور تكسح وجهها كسح المكانس
أمست بلاقع لا ترى إلا بأبصار نواكس
ضحكت زماناً ثم عادت وهي كالحة عوابس
غضبت على الإنسان واتخذت عليها الوحش حارس
فإذا أتاها الإنس راح يدوسها جوس المخالس
هذه منازل من مضوا من قومنا الصيد القناعس
درست كما درسوا وقد ذهب النفيس مع المنافس
ماذا نؤمل بعدهم إلا مقارعة الفوارس
فإليكم يا قوم واطرحوا المدالس والموالس
وتشبهوا بفعال غيركم من القوم الأحامس
بعصائب أنفوا فجادوا بالنفوس وبالنفائس
هبت طلائعهم يليها كل صنديد ممارس
تركوا جموع الترك تعصف فوقها النكب الروامس
ملأوا البطاح بهم فداس على الجماجم كل دائس
فخذوا لأنفسكم مثال أولئك القوم المداعس
أولستم العرب الكرام ومن هم الشم المعاطس
فاستوقدوا لقتالهم ناراً تروع كل قابس
وعليهم اتحدوا فكلكم لكلكم مجانس
ودعوا مقال ذوي الشقاق من المشايخ والقمامس
فهم رجال الله فيكم بل هم القوم الأبالس
يمشون بين ظهوركم تحت الطيالس والأطالس
فالشر كل الشر ما بين العمائم والقلانس
دبت عقاربهم إليكم بالمفاسد والدسائس
في كل يوم بينكم يصلي التعصب حرب داحس
يلقون بينكم التباغض والعداوة والوساوس
نثروا اتحادكم كما نثرت من النخل الكبائس
ساد الفساد بهم فساد الترك فيه بلا معاكس
قوم لقد حكموا بكم حكم الجوارح في الفرائس
وعدت عوادي البغي تعرقكم بأنياب نواهس
كم تأملون صلاحهم ولهم فساد الطبع سائس
ويغركم برق المنى جهلاً وليل اليأس دامس
أو ما ترون الحكم في أيدي المصادر والمماكس
وعلى الرشى والزور قد شادوا المحاكم والمجالس
والحق أصبح عند من الف الخلاعة والخلابس
من كل من يمسى إذا ذكروا له الاصلاح خانس
عمت قبائحهم فأمست لا تحيط بها الفهارس
حال بها طاب التبسم للوغى والموت عابس
وحلا بها بذل الدماء فسفكها للجور حابس
برح الخفاء ومن يعش ير ما تشيب له القوانس
-
جاد الحيا كل روض في طرابلس ينم عن روض فضل عاطر النفس
روض سقت سحب العرفان منبته بكل ودق هتون الدر منبجس
نمى وطال فاحيا كل بادية فما نبالي بجدب المربع اليبس
لله جمعية صحت وقد جمعت في سلكها كل ندب بارع ندس
من كل ساهر ليل جل بغيته في كنس النجم لا الآرام في الكنس
قوم وجوهم تجلو الظلام ومن افكارهم تتارى الشهب في الغلس
تجري الفوائد من أقلامهم وبها نال العطاش معيناً غير محتبس
ري لكل صد روح لذي كمدغم لملتمس نور لمقتبس
قد جددوا نضرة العلم القديمة في عصر نراه يباهي عصر أندلس
في بلدة لمعالي فخرها أثر ما زال في كل عصر غير مندرس
طالت فما طاولتها في فضائلها مدينة من بلاد العرب والفرس
فقل لمن رام أرخ ندها طمعاً قد قصرت كل مصر عن طرابليس
-
زمان الحمى هل من معاد فنطمعا ونمسك أكباداً تذوب وأضلعا
ويا منزل الأحباب هل فيك وقفة تجدد تذكاري وإن كان موجعا
ويا نسمات المنحنى كيف أهله وهل طاب بعدي ذلك الحي مرتعا
قضى الدهر فينا بالفراق وطالما عهدناه قدماً بالجماعات مولعا
نبيت ونغدو والليالي بمرصد تراقب منا كل شمل تجمعا
ولو لم تروعنا بتصديع ألفة كفانا ارتياعاً خوف أن نتصدعا
ويا رب يوم قد أطال تلهفي فلم يرني إلا حبيباً مودعاً
فمن عبرة سألت بنحري وزفرة بها رحت من بعد الوداع مشيعا
وباكية لما أظل فراقنا وما أوشكت ترجو لوصلي مرجعا
تكفكف دوني عبرة بعد عبرة على صفح خد بات بالدمع أسفعا
أقلي فقد أشجيت بالنوح أضلعي وغادرت قلبي بالشجون مروعا
وكفى أليم اللحظ عن قلب مدنف رمته النوى من قبل سهميك أربعا
فما باختياري كان ذا البعد بيننا ولكنه شأن أبي أن يضيعا
ذريني وهذا الشوق يتلف مهجتي فإني رأيت الخسف أعظم مصرعا
أبي الله أن أرضى المقام ببلدة أرى الفضل فيها بالخمول ملفعا
فما وطني أرض نبت بفضائلي ولو كان فيها العيش أخضر ممرعا
ولا اصطفى من كان فضلي عدوه ولو جادلي من بعد بالود أجمعا
معاهد فيها يبرز اللؤم صفحة وتنكر وجه الحر إلا مقنعا
أناخ بها ركب الغواية عائشاً وجاس حماها مربعاً ثم مربعا
ومد أتي الجهل بالجور فوقها إلى أن غدا حوض الخباث مترعا
فيا لك شراً أي أم تمخضت به وغذته الشؤم حتى ترعرعا
ويا لك أياماً أرتنا صروفها عجائب لم يطرقن في الحلم مضجعا
ولم يبق إلا أن نرى الشمس أشرقت من الغرب حتى تجعل الغرب مطلعا
فيا دهر جد ذاك أم أنت هازل وكيف بمن لم يدر للهزل منزعا
تدرعت فيك الصبر حتى إذا عفا تخذت حمى العباس حصناً ومفزعا
مليك غدا قطب المكارم والندى وبات حماه للرغائب مجمعا
سلالة بيت المجد والعز والعلى وصفوة من في دستهم قد تربعا
همام تولى الأمر وهو على شفا فشيد من اركانه ما تضعضعا
وناهض جيش الحادثات بهمة قد اتخذت افق السماكين موضعا
يقود لها جيشاً من الرأي غازياً يلي خلقاً رحباً وقلباً مشيعا
تفل شباة الخطب في كل غمرة له نظرة تصمي الحديد الموتعا
فتى خاض لج الحادثات وضحلها وما شر ريحيها رخاء وزعزعا
فما زال في الحالين مرفوع راية تلاقيه أعناق الطوارق خضعا
تقلد أعباء السياسة امرداً وقد عرفته قبل ذلك مرضعا
فكانت له أما وكان لها أبا غذته ورباها وقد نشأ معا
فسيح ظلال الملك أضحى فناؤه ملاذا لأحرار النفوس ومنجعا
به اعتصمت آمال قوم أنالهم من الفضل ما لم يبق في النفس مطمعا
وعز به من لم يعززه معشر فأصبح ذا ظفر وإن كان أقطعا
وأصبح ناب البغي في ظل عدله كليلاً وعرنين المظالم أجدعا
كذا كان آباء الأمير وانه ليجري على آثارهم متتبعا
سراة بنوا صرحاً من المجد باذخاً وشادوا له بالعز سواراً ممنعا
وسنوا الندى والعدل للناس فاقتدى بهم من بغي في ذروة المجد مفرعا
لهم في حمى مصر عظائم لم تزل لديهن أبصار الحوادث خشعا
غطارفة تمضي العصور وذكرهم فتي شباب كلما شخن أيفعا
ولو أغفل التأرخ ذكر فعالهم دعا ناطق الآثار منها فأسمعا
ودونك يا مولاي مدحة عاجز بها لوفا حق الجميل تذرعا
لئن عيب بالتقصير فيك ثناؤه فقد أمن التزوير فما لك أدعى
ومثلك من لا يبلغ المدح وصفه ولو أسهب المثنى عليك وأبدعا
وحسب مديحي فيك أني زنته بما فيك من حسن الخلائق أودعا
صفات زهت حسناً فكانت كروضة وكنت بمدحيها الهزار المرجعا
إلى بابك العالي سريت وقبلتي نجوم المنى في أفق فضلك طلعا
وانزلت رحلي منك في خير بقعة أرى أمما فيها بظلك رتعا
فدم وابق واسلم وارق وانعم لا تزل مقابلة نعماك بالحمد والدعا
فلو كانت الآمال طيراً بروضة لما كن إلا في فنائك وقعا
-
تصبر وأن لم تملك الصبر فاجزع فما أغفل الأقدار عن صوب مدمع
يهم الليالي ما تثير وقلماتهم الليالي لوعة المتفجع
تضيع لديها كل نفس فهل ترى يبيت لديها الدمع غير مضيع
شجاني أن الدهر ليس براحم وأني ذو قلب شديد التوجع
وأن الذي أشكوه لا لب عنده يقلب أهل اللب في كل مصرع
فواحرباً من حكمه وهو جائر وصبري وما صبري لدي بطيع
ولي كل يوم ما يروع فكيف لا يذوب فؤادي لهفة بين أضلعي
نعى البدر ناعيه عشية فجعة فيا لهف أجفان ويا لهف مسمع
ويا ذوب أكباد تسيل كآبة على جمر حزن حيثما مس يلذع
تداركه قبل التمام محاقه مبادرة من حيث لم يتوقع
فقطع أحشاء وواصل أدمعاً وضيع من آمالنا كل مطمع
وساء أبا ما ساء قلباً فأصبحت له اليوم في الأكباد لوعة موجع
وفارق اوج العز والمجد والعلى إلى أوج مجد منه أعلى وأرفع
أيا كنف الرحمان أودعت درة مكرمة من عند أكرم مودع
ويا قبر فيك اليوم أنضر زهرة غنيت بها عن زهرك المتضوع
ويا أيها الغصن الذي هصر الردى معاطف قد منه ريان ممرع
تركت مغانينا وقد بت مثلما دعيت فريدا ضمن صحراء بلقع
فما برحت في كل قلب كى بة من الحزن تغشى كل وجه ببرقع
وطالت مناحات النوادب في الحمى عليك فاشجى نوحها كل مربع
رويدك أن العين لم توف حظها بمراي جمال منك باللظف مبدع
ولا رويت منك الصدور فإنها مشوقة أنس ظل أعذب منقع
لئن صدقت فيك العيون بدمعها فإن قلوب القوم بالجرح تدعي
وأن تك قد أمسيت في القفر موحشاً فوحشتنا في الحي لم تتقشع
هو البين يغشى كل خلق فأنفس تفانت ودمع سأل في كل مضجع
وما الناس إلا نازل غير قادم ومرتحل ولي على غير مرجع
بماذا نعزي عنه مهجة والد رأوف فؤاد بالشجون مروع
لقد هاجمته الحادثات مغيرة بأذلق حداً من ظباه وأقطع
على أننا منه عرفنا لدى البلا تقلد صبر ليس بالمتزعزع
وقد خبر الدنيا فلم تأت عنده غريباً ولم تبدو بوجه مقنع
وعرفه الماضي حقيقة قادم كقافية في صدر بيت مصرع
تعود أخذ الرفق في كل حالة فما وقعت إلا على قلب أروع
وقابل هذا الدهر بالحلم فانثنى عليه بطبع بالسفاهة مولع
أمولاي رفقاً أن رزءك في الملا تقاسمه الأكباد في كل موضع
تعز بأنجال كرام أعزة لهم في سما علياك أشرف مطلع
تناول كل منهم المجد تالدا وحاز كمال الفخر قبل الترعرع
فلا ساءت الدنيا بهم لك مهجة ولا كدرت أحداثها طيب منجع
ودم بعد من فارقت بالله سالماً عزيزاً ومن فارقت في خير مرتع
-
إليك ركائب الآمال تسعى وعندك حرمة الآداب ترعى
وبين يديك تنقاد الأماني فيغم برها وترا وشفعا
أفضت على الأنام سجال عرف بها وجب الثناء عليك شرعا
أياد في الورى اتسعت وعمت فما تركت لنا في الحمد وسعا
لئن غرقت بفضلك أرض مصر لقد لحق الشآم نداك همعا
تحدث عن عزائمك المواضى عظائم لم تفت في الكون سمعا
مآثر كالشموس سرت فضاءت على الأقطار لم يتركن صقعا
باسمعيل للعرب افتخار إليه تنتمي حملاً ووضعا
أجل إلي العلى حسباً ومجداً وخير سراتهم أصلاً وفرعا
وأكرم كل ذي كرم طباعاً وأعظم منة وأبر صنعا
لقد ساس البلاد بسيف عدل به شقت صفاة الجور صدعا
وأدب أنفس الباغير ردعا فما اتخذت سوى التسليم درعا
وأعلى للعلوم منار مجد أضاء به ففاق النجم لمعا
ألا يت من تطول في البرايا بفضل لا تصادف منه منعا
ومن حجت لكعبته الأماني فأرجعها نداه أجل رجعي
دعا داعي نداك فبادرته ركاب الحمد تفري البيد قطعا
إذا جئنا بمغرية أرتنا عظائم فضلك المأثور سبعا
ودونك خدمة من عبد رق يروم بها لباب الحلم قرعا
كتاب جاء بين الكتب بدعاً وقد أهديته في الناس بدعا
إذا ما نال منك شريف لحظ فقد باهي نفيس الدر وقعا
تغالي في الحساب فاخجلته صنائع منك قد فاتته جمعا
وما تحصي الصحائف من أياد تضيق بفضلها الأعداد ذرعا
غمرت بها البلاد ندى وجوداً فكانت أخصب الأقطار ربعا
سقى الله الكنانة صوب عدل بكفك فاق صوب المزن نفعا
وخيم بند سعدك في حماها فراحت دونها الأحداث صرعي
تدين لك النواصي خاضعات فيكسبها الخضوع لديك رفعا
وتدعو بالبقاء لك البرايا وأنت أجل من في الخطب يدعى
فدم بالعز مشتملاً ودامت إليك ركائب الآمال تسعى